التقيت الشاعر الفلسطيني الفذ محمود درويش في دبي عام 2004 وأجريت معه حوار عفويا طويلا، لكنه رفض أن أنشره وقتها نظرا لصراحته الشديدة، فلما غاب عن دنيانا في 9 أغسطس 2008، قررنا أن نصدر عددا خاصا من دبي الثقافية عنه (العدد 40 سبتمبر 2008)، ونشرت فيه الحوار إياه.
في العام الماضي استعدت أبرز ما في هذا الحوار..
يحزن الشعر العربي كثيرا اذا مرت الذكري السابعه لرحيله اليوم (9 اغسطس) دون التوقف عند هذا الرجل.
فمحمود درويش تمكن ببراعه لافته من ان يسكب في ارض القصيده العربيه انهارًا جديده من المياه العذبة، وان يشعل في وجدان قرائه ومستمعيه قناديل المحبه والثوره في ان واحد، ومحظوظ لا ريب مَن اتيح له ان يحضر امسيه بطلها درويش، فينصت اليه وهو يلقي اشعاره بقلب يخفق بالوجد، وروح هائمه في فضاء اللغه ومساربها.
التقيت درويش غير مره… في القاهره ودبي، وانتزعت منه بعض التصريحات الصحفيه نشرتها في جريده «العربي» قبل عشرين سنه، كما انحشرت مع الجمهور الغفير لنستمع اليه في اكثر من مكان، لكنني احتفظ في ذاكرتي بحوار عفوي طويل امتد بيننا قرابه الساعه في بهو احد فنادق دبي منذ احد عشر عامًا.
انتظم هذا الحوار بالمصادفه، فقد كنت اجلس الي الناقد الكبير فاروق عبد القادر -رحمه الله- فجاء درويش وصافح فاروق بحراره، فهما صديقان ثم انضم الينا، وبدات اسئلتي تنهمر علي الرجل.
في هذا اللقاء بدا درويش مهذبا.. انيقا.. يتحدث بتلقائيه، ينتقي عباراته بذكاء، وقد تناول القهوه، وداعبني عندما طلبت من النادل ان يحضر لي الشاي في كوب زجاجي، حيث قال لي: «هل سيتغير طعم الشاي يا ناصر اذا لم يكن في كوب زجاجي؟».
سالته عن عدد الدعوات التي يتلقاها في العام الواحد، فقال نحو 500 دعوه، فعاجلته.. وعلي اي اساس تلبي هذه الدعوه ام تلك؟ فاجاب ضاحكا: «انا خجول.. مَن يلح كثيرًا اتحرج فاوافق».
في هذا اللقاء لم يكن تبدو عليه السن لولا شعيرات بيض تسللت الي شعره وحاجبيه (هو من مواليد 31 سبتمبر 1941)، فرشاقته لافته بحق، ومن عينيه يشرق حب الحياه والتمسك باهدابها، لذا سالته عن تجربته مع المرض ورايه في الموت، وهو الذي تعرض لعمليات خطره في القلب، فابتسم وهتف: «الموت لا يؤلم الميت.. الموت يؤلم اصدقاء الميت». فقلت له.. ما اكثر الامور التي تؤلمك وتزعجك، ففاجانا بقوله: «حتي هذه اللحظه ينتابني كابوس شبه يومي بانني سادخل امتحان الرياضيات غدًا.. ولم اذاكر بعد». وقد فسر حلمه بانه لم يكن يحب الرياضيات!
في هذه الجلسه النادره افاض صاحب «العصافير تموت في الجليل» في الكلام عن الحب والمراه والخمر والدين، وعندما جاء وقت الانصراف استاذنته في ان انشر هذا الحوار العفوي، فرفض بادب، لكن الاستاذ فاروق رجاني ان اسجله في يومياتي فورًا، فقد ياتي يوم يستلزم نشره.
فلما غاب عن دنيانا، خصصنا عدد سبتمبر 2008 من «دبي الثقافيه» عن محمود درويش ونشرت نص الحوار.
نقلا عن موقع التحرير