الدهشان : كنا نريد العودة بالنصر أوالبقاء بالموت فكانت القومية العربية هى حلمنا فى الستينات
هذه الكلمات التى أقولها ليست إلا قليل مما أذكر وأعى من تلك الأيام والسويعات العصيبة التى عشتها وتمنيت فى حينها ألا أعيشها لعلها تعيش من بعدى.. أحببت الحياة وتمنيت لو استطعت أن أعيش كل لحظاتها.. أحب الكفاح من أجل الانتصار، وأحب اليأس من أجل مواجهة الهزيمة.
هكذا بدأ عبد السلام الدهشان، المحامى الذى شارك فى حرب اليمن وكان أسيرًا، حديثه لـ "أهل مصر"، حيث يقول: "فى اليوم الثانى من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وستون، وبعد لحظات دامعة ودعت فيها أعز من أعيش من أجلهم وبدعواتهم.. عانقت والدى وأخوتى مودعًا، فى طريقى إلى أرض اليمن، إلى ساحة قتال لم أعهدها من قبل حديث العهد بها، ركبت القطار وكان يدفعنى سريعًا إلى طريق العمل والواجب المسافر من أجله، وصلت القاهرة لإتمام بعض الإجراءات الضرورية للسفر، ثم إلى ميناء الأدبية بالسويس".
يتابع الدهشان: "استقبلت مع زملائى الضباط المسافرين مع الباخرة "السودان" فى طريقنا إلى اليمن وأخذت أتساءل هل أنا حقًا فى طريقى إلى اليمن؟ إلى أرض المعركة حيث العودة بالنصر أوالبقاء بالموت هل سيتحقق حلم القومية العربية.. فأخرجت ورقة وقلم وأخذت فى كتابة أول خطاباتى إلى الأهل ببورسعيد، واستغرقت السفية أربعة أيام لتصل فى اليوم الثامن إلى ميناء "الحديدة "باليمن وثم اتجهنا إلى العاصمة صنعاء".
يكمل الدهشان حديثه، "فى الخامسة مساءًا نزلت بمعسكر استقبال بالعاصمة صنعاء، والتحقت فى اليوم التالى على قوة إحدى الكتائب اليمنية بمنطقة "عبس" بالمنطقة الغربية باليمن وانضم إلينا عناصر من الجنود اليمنين واستمرينا فى التدريب حتى صدرت لنا الأوامر بالتحرك مع هذه الكتيبة إلى القاهرة لتدريبها والعودة بها مرة ثانية، ثم عدنا لليمن مرة أخرى وصدرت الأوامر بالتحرك إلى مواقع القتال بمنطقة "صعدة"، وكان الطريق شاق وصعب محفور ما بين الجبال والوديان، واستغرقنا ثلاثة أيام للوصول إلى"صعدة"، ومنها إلى منطقة "مجز" حيث قمنا بالتبديل مع كتيبة مصرية كانت موجودة بتلك المنطقة، ولكن فوجئنا فى اليوم التالى مباشرة بالكتيبة المصرية عادت ثانية، تحتل أماكنها ولنتقدم نحن بالكتيبة اليمنية، إلى المواقع الأمامية بمنطقة "رازح"، وأتذكر أنه كان معى من بين الجنود أحدهم عمره "18" عامًا، وكان رجلًا بحق فى جميع تصرفاته اسمه فيروز جاء من عدن ليلتحق بالجيش اليمنى".
القلعة..
يقول عبد السلام الدهشان: "أتذكر عندما سمعت صياحًا عاليًا من قمة الجبل، يصل لأذنى كصدى الصوت، وكان من أحد جنودى الذى كان يسبقنا فى المسير وهو ينادى القلعة يا أفندم عبد السلام، هكذا كان ينادينى جنودى اليمنين صعدت إلى قمة الجبل شعرت بأننى قريب من الله، ونظرت خلفى ثانية إلى الطريق لأودعه وخاطبته هامسًا"، مهما كنت فى قسوتك، وتعبك فسأعود إليك ثانية لأنك الموصل الوحيد إلى أحبابى ووطنى من خلفك"، وتوجهت إلى سطح القلعة مع زميلى "منير" حيث تعرفت على الموقف العام بالمنطقة منه ومهمتنا بها مع الكتيبة اليمنية، ثم عدت لأتفحص المصريين الموجودين معى بالقلعة وكانوا 19 فردًا بينهم اثنان من بلدتى بورسعيد".
ويختتم الدهشان حديثه مع "أهل مصر" فيقول: "كان العمل مرهقًا لقلة الإمكانيات بالمنطقة والاتصالات لاسلكية وبصعوبة.. والذخيرة تصلنا بواسطة إسقاط المظلات من الطائرات وبقوافل الجمال عبر الطريق الذى وصلت منه وكانت "القلعة" هى مقر الكتيبة وتقع على قمة جبل شاهق يناطح السحاب اسمه "رازح" وكانت توجد قلعة أخرى مجاورة تسمى قلعة "حرم"، وهى مرتفعة عنا ومن على سطح القلعة كنت أتطلع أمامى على مدى مرمى البصر والأفق حيث تقع مناطق العدو بقيادة "الإمام البدر"ملك اليمن السابق قبل الثورة، و كان بينى وبين موقع العدو تقع ثمانية مواقع وهناك فى الأفق تبدو الحدود السعودية بصحرائها الشاسعة".