اعلان

بعد استقالات جماعية.. حزب المرزوقي في "الباي باي".. لغز رحيل 40 نائباً

كتب : سها صلاح

الحراك في الباي باي".. ليس فيلمًا كوميديًّا أو عملًا ساخرًا، إنما هو عنوان لاستقالة من بين كثيرات ضربت حزب "حراك تونس الإرادة"

الحزب الذي أسَّسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وكان له تأثير على الساحة السياسية التونسية، يشهد حاليًّا نزيف استقالات، باتت تعصف به يومًا بعد يوم، حتى بات لا يُعرف مستقبله القريب والبعيد، فالعشرات من أعضائه استقالوا، في موجة ضربته ولم تتوقف إلى الآن، بدأ الأمر بـ12 عضوًا من الهيئة السياسية، حتى جاء الدور على نواب وأعضاء من المكتب التنفيذي والمكاتب المحلية والمجالس الجهوية.

مراقبون اعتبروا أنَّ هذه الاستقالات التي خرجت إلى العلن، سيكون لها تأثير سلبي كبير على مستقبل الحزب، وعلى المستقبل السياسي للمرزوقي، ورأوا أنَّ الاستقالات لن تتوقف سواء على مستوى التنسيقيات الجهوية، أو المكتب التنفيذي والهيئة السياسية، ما يوشك بـ"نهاية حزب المرزوقي".

قبل أيام، نشر عضو المكتب التنفيذي للحزب مبروك الحريزي، على حسابه في "فيسبوك"، استقالة جماعية لأعضاء من البرلمان، ومن المكتب التنفيذي، ومن المكتب السياسي للحزب، مرجعين سبب استقالتهم إلى "غياب عنصر الثقة المطلوب وتدهور الروابط التنظيمية وحلول عقلية التشاحن الفئوي الدائم والتطاحن الهدام، بسبب النرجسيات المتضخمة عند بعض القيادات".

المستقيلون انتقدوا امتلاك أقلية كل مقدرات الحزب لتوظفها في أنشطتها الخاصة وتدعم بها مواقعها الفئوية، بينما يغرق الحزب في عجز مالي فظيع لم تعد تنفع معه مساهمات المناضلين المباشرة، بحسب تعبيرهم.

وتحت عنوان "الحراك في الباي باي"، نشر الناشط أنس الشابي نص استقالة أعضاء الهيئة السياسية للحزب، وقال: "اليوم تيقنت جازمًا أنَّه لا يمكن أن ينخرط في حزب ترأسه المرزوقي سوى المختل عقليًّا والمعتل نفسيًّا وهو ما لاحظه الناس جميعًا في من ظهروا في التلافيز دفاعًا عن المؤتمر وما تناسل منه من جنون وخبل تحت مسميات مغالطة..

وتابع: ما جرني إلى هذا القول أنه لم يسبق لي أن قرأت بيان استقالة مجموعة من تنظيم سياسي عنوانه الحراك في الباي باي، ويبدو أنَّ بعض العقلاء داخله لم يجدوا أفضل من هذا العنوان للدلالة على أنَّهم كانوا يعيشون ضمن قسم من أقسام مستشفى المجانين في منوبة، مرحبًا بكم بين عقلاء وطنكم".

كما أصدر المستقيلون بيانًا بإمضاء حوالي 40 نائبًا وعضوًا لتفسير أسباب الاستقالة، وهي "تجاهل ما عرفه الحزب من تحوّل مهمّ بعد سنة على تأسيسه ببروز قيادات جديدة في المؤتمر الانتخابي الأول، قادرة على قيادة المرحلة بتحدياتها السياسية والتنظيمية واستحقاقاتها الانتخابية، إضافةً إلى عدم التزام المحيط التقليدي لمؤسس الحزب المنصف المرزوقي بمخرجات المؤتمر وبالمطلوب من الشفافيّة والسلوك الديمقراطي، وما كان له من دور في إجهاض هدف المؤتمر الأسمى والقفز على نتائجه الانتخابيّة وتأجيل الانطلاقة المرجوّة مما أدخل الحزب في أزمة شاملة باتت تهدّد وجوده.

وأوضح البيان أنَّ "الاستقالة تمَّت على خلفية غياب عنصر الثقة المطلوب وتدهور الروابط التنظيمية والرفاقيّة وحلول عقليّة التشاحن الفئوي الدائم والتطاحن الهدّام، بسبب النرجسيات المتضخمة عند بعض القيادات، وتواصل منطق الترضيات والتسويات الذي كان أفضى إلى تعيين وجوه قيادية قديمة اُتُّفق منذ التأسيس على أن تترك الفرصة لغيرها في رئاسة الهيئة والأمانة العامة".

تأسيس الحزب يعود لعام 2015، حيث تقرَّر دمجه مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي شهد موجة من الاستقالات، لنفس الأسباب التي دفعت الهيئة السياسية لحراك تونس الإرادة للاستقالة.

وفي أبريل الماضي، عقد الحزب مؤتمره الأول وسط خلافات حادة، وقالت تقارير إعلامية – حينئذ - إنَّ حالةً من التململ الداخلي شهدها الحراك كنتيجة لإصرار رئيس الحزب المنصف المرزوقي على تعيين كل من عدنان منصر وعماد الدايمي ضمن الهيئة السياسية التي تم تشكيلها خلال المؤتمر الأخير.

وعمل المرزوقي على تمرير بند ضمن النظام الداخلي يسمح له بتعيين نسبة من أعضاء الهيئة السياسية بشكل مباشر تحت مسمى النسبة التعديلية، وهو ما مكنه من فرض كل من الدايمي ومنصر، القياديين السابقين بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

التعيين قوبل بتحفظات واسعة ورفض من جانب قواعد الحزب وأعضاء الهيئة السياسية والمكتب التنفيذي، نتيجة إصرار المرزوقي على فرض الدايمي ومنصر ضمن الدائرة القيادية العليا للحركة، وهو ما رأى فيه البعض عملية سيطرة وهيمنة من عناصر مفروضة من خارج الحزب على حساب شرعية المؤتمر.

متابعون للشأن السياسي التونسي حينها اعتبروا أنَّ ما قام به المرزوقي ينم عن عدم نضج سياسي ويؤكد أن الرجل لم يتعلم من أخطائه التي ارتكبها عندما كان رئيسًا لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

وتعقيبًا على الأزمة، قال عضو الهيئة السياسية بالحزب عماد الدايمي إنَّ "الحزب يمر بفترة تقلبات، إلى جانب وجود اختلافات في تقدير المواقف وإشكال تنظيمي يعمل الحزب على تطويقه"، مؤكدًا "غياب معالجة التجاذبات الكبرى بين القيادات.

وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، أنَّ "الحزب يدفع ضريبة عقده لمؤتمره الأول بعد فترة وجيزة من الإعلان الرسمي عن تكوينه، عكس بقية الأحزاب التي أنضجت مشروعاتها قبل عقد مؤتمرها الأول".

ولعل ما يزيد الأزمة حدةً هو قرب الانتخابات المحلية في تونس التي ستجرى في نهاية العام الحالي، فلا يتوقف الأمر فقد عن الشقاق الذي ضرب الحزب الفائز في انتخابات 2014، بقدر ما تسود حالة جمود ضرب المناخ السياسي العام.

تجلَّى ذلك أيضًا في قرار وزير المالية التونسي بالنيابة فاضل عبد الكافي مؤخرًا بتقديم استقالته بشكل مفاجئ لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، بسبب ما عدَّه قضية تضارب في المصالح، حُكم عليه فيها بدفع غرامة، والسجن مع وقف التنفيذ.

كما مثَّلت تحركات حكومة الشاهد حول ملاحقة رموز الفساد جزءًا من التطورات، فبينما لاقت نوعًا من القبول الشعبي والسياسي، إلا أنَّ محللين اتهموه بالدفع نحو تصفية حسابات سياسية شخصية وحزبية، مقابل التغاضي عن آخرين، في وقت ربما يكون نجاح الانتخابات المحلية خطوة مهمة في تصعيد حظوظه لمعركة الانتخابات المقبلة.

المحلل السياسي المنذر ثابت اعتبر أنَّ ما يعيشه الحزب من تصدعات، أمر متوقع في سياق طبقة سياسية لم تكن تطالب بالديمقراطية إلا لنفسها.

وأضاف "للعرب" أنَّ الحراك حزب وجد لخدمة أجندة شخصية لشخص المنصف المرزوقي المثير للجدل وهو مدار وأصل وجود هذا الحزب.

وأشار ثابت إلى أنَّ تمدد الحزب واتساع رقعة تمثيله لا يشكِّلان أولوية لقيادته بل على العكس، فكل منافسة لقيادته تعتبر خروجًا عن النهج الثوري التي تميز أيديولوجيا هذا الشكل من التنظيمات.

وتابع: "ما يعيشه الحزب ليس أمرًا شاذًا بل تعاني منه أغلب الأحزاب التونسية، والمشكلة تتعلق بثورة ثقافية تنهي أسطورة الزعامة لإرساء مفهوم جديد للسياسة الجماعية وهو أمر ترفضه جل مكونات المشهد السياسي في تونس، وعليه فإنَّ هذه الأحزاب لن تكون قادرةً على كسب رهانات الحكم المحلي أو التأسيس لتنظيم سياسي متكامل المواصفات".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً