"يبدو أن الفلسلفة لا تطعم الفقراء"، كانت هذه هى العبارة التي تبادرت إلى الذهن، عندما أظهرت عدسة الكاميرا التفاصيل المحيطة بهذه السيدة.
سبعينية هى، أو ثمانينية، وقد تكون تسعينية، هذه السيدة التي تفترش التراب، شاهدت في ريعان شبابها تنصيب الملك، وسقوطه، وقيام الجمهورية، وتطورها، وتجرعت الهزيمة، وشربت من كأس النصر حتي الثمالة.
عاكسها ابن الجيران، وتودد لها صاحب "الدكان" الموجود أسفل منزلها، وتقدم لخطبتها الكثيرين، وتدللت عليهم عدا صاحب نصيبها.
تزوجت، وأنجبت، وتقدم بها العمر، ورحل عنها الجميع، وتركوها تنظر بعينين لا تريان، إلى ماضي كان سعيدًا، وتنتظر في صبر لحظاتها الأخيرة.
عن يمينها الشباب، يأتى متمهلًا في زيه العصري، يخرج بضعة نقود قد تكون من نصيبها، وعن يسارها منتصف العمر، يسبّح على مسبحته، قد ينالها من دعائه شيئ، وخلفها لافتات تحكي حكاية عصر، أصبح يسحق تحت هامته، كل من ليس له سند من البشر، مكاتب زواج ودروس الفلسفة، وعجلات ميدان تدور لا يستطيع أن يوقفها أحد.
التقطت عدسة "أهل مصر"، هذه الآتية من الزمن التليد، والماضي العتيق، لا تدرك ما حولها، وليس لها من سلوى، سوى تجرع عبق الذكريات، التي تبقي صدرها يتردد فيه الأمل، حتى تحين زفرتها الأخيرة، لقطات تبقي شاهدة على مر الزمان.