تمر في هذه الأيام الذكرى الأولى لبدء معركة الموصل، معركة لم ولن ينساها الموصليون، معركة طال انتظارها من قطاع عريض من الموصليين لتخلصهم من مآساة حلت بهم، لكنهم لم يكونوا يعلموا أن ثمن خلاصهم لن يكون أقل وطأة مما عاشوه تحت حكم تنظيم داعش.لم أكن أتخيل يومًا أن أسمع خبر بدء معركة تحرير الموصل، لكثرة ما سمعته عن مواعيد كاذبة لبدء المعركة، عامان ونصف من الذل عشتهما تحت حكم تنظيم داعش في الموصل، كل شيء حرام، هذا ما قاله أحمد السيندي لصحيفة النيوزويك الأمريكية عند سؤاله عن ذكرى بدء معركة الموصل.وأضاف السيندي ذقت مرارة السجن أربع مرات تحت حكمهم، أولى هذه المرات كانت عندما عوقبت على عدم إطلاق لحيتي، والثانية لطول إزار بنطالي، أما الثالثة والرابعة فكانت السجن مدة طويلة وصلت لشهر، وكانتا بسبب محاولتي الهروب من أرض خرافتهم.وقال السنيدي في دموع ثمن خلاصي كان غاليًا، فقدت كل عائلتي أثناء المعركة في قصف تعرض له منزلنا في الجانب الأيمن من الموصل، لم ينجُ أحد من عائلتي، أنا الآن أعيش غربة في مدينتي، كأني هجرت بلادي وأنا فيها، جدران المدينة والأسواق والشوارع تذكرني بهم، كلما أرى بناية مهدمة أتذكرهم، لا أعلم ماذا أفعل، الموصل تحاصرني من خلالهم، نار مستعرة في داخلي، لا سبيل لي بإطفائها.معركة الموصل
وكان موعد انطلاق معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم داعش، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي بدء المعركة فجرًا تحت مسمى "قادمون يا نينوى"، وكان تنظيم داعش قد بسط سيطرته على الموصل في هجوم خاطف في يونيو 2014، لينسحب إثرها الجيش من محافظات بأكملها، وليغدو جزء كبير من العراق تحت سيطرة التنظيم في أيام قلائل.-صورة للمدينة القديمة بعد الحرب
امتدت معركة الموصل تسعة أشهر وانتهت رسميًا في العاشر من يوليو 2017، حينما أعلن رئيس الوزراء العراقي بيان النصر من مدينة الموصل، لتطوى بذلك صفحة المعارك ولتتكشف القصص الإنسانية التي رافقت المعركة وأعداد الضحايا والخسائر الاقتصادية الفادحة.أرقام مفزعة
تتضارب المعلومات والإحصائيات المتوافرة حول عدد المدنيين الذين قتلوا خلال معركة الموصل، حيث تشير تقارير استخباراتية كردية حصلت عليها صحيفة الإندبندنت البريطانية نقلًا عن مصادر في الاستخبارات الكردية أن عدد من قتل من المدنيين وصل إلى أربعين ألف قتيل فضلًا عن عدد أكبر من ذلك من المصابين والمعاقين، وأشار التقرير إلى أن هذا العدد من الضحايا سقط نتيجة القصف الجوي والاشتباكات الأرضية فضلًا عن أعداد كبيرة سجلت لاستهداف تنظيم داعش للمدنيين الفارين خلال المعركة.تقارير أخرى تشير إلى سقوط نحو 16 ألف مدني منذ بدء المعركة وحتى مايو 2017، في حين ترفض الحكومة العراقية هذه الأرقام وتعتبرها مبالغًا فيه، وذكرت تقارير حكومية أن عدد من قتل في المعركة لم يتجاوز 4000 مدني.الخسائر الاقتصادية.. المدينة تعود إلى العصر البدائيونشر موقع ستارز آند سترايبس الأمريكي، تقريرًا عن مدى الدمار الناجم عن العمليات العسكرية لإستعادة مدينة الموصل، مشيرًا إلى أن عدد المنازل والأبنية التي انهارت بفعل قيام عناصر التنظيم بتفخيخها، أو التي هدمت نتيجة الضربات الجوية والميدانية للقوات العراقية والتحالف الدولي في الساحل الأيمن يصل إلى 32 ألف منزل في الجانب الغربي من المدينة، ويضيف التقرير أن أكثر من 120 ميلا من الطرق تضرر بفعل الحرب، فضلًا عن دمار مطار الموصل وجزء كبير من جامعة الموصل ومحطة السكك الحديدية والجسور والمستشفيات.كما نشر موقع UN HABITAT التابع للأمم المتحدة معلومات عن عدد الوحدات السكنية المدمرة بين الـ18 يونيو 2017 والـ8 يوليو 2017 وتفيد المعلومات بأن هذه الفترة شهدت تدمير 5393 وحدة سكنية في "الموصل القديمة" فقط، أي خلال معركة الموصل القديمة، بما يعادل مساحةً 126 هكتارا من المباني.البنى التحتية للموصل
يقول المهندس في دائرة طرق وجسور نينوى عمار الحمداني ليست لدينا القدرة حاليًا على إعادة ترميم الجسور إلى وضعها السابق، فالحرب أتت على كل المعدات الثقيلة والآليات اللازمة للإعمار.وأضاف الحمداني أن الجسور التي دمرت في الموصل هي خمسة جسور رئيسية تربط جانبي المدينة عبر نهر دجلة، إضافة إلى عشرات الجسور والقناطر الأخرى التي تجسر الطرق وتتوزع داخل وفي محيط الموصل، وأوضح الحمداني أن إعادة الجسور إلى سابق عهدها سيحتاج إلى سنوات وأن البديل الآن هو جسر حديدي عائم نصب عبر نهر دجلة أنشأته الهندسة العسكرية، إضافة إلى تجسير حديدي آخر للجسر الخامس المتضرر وذلك لتسهيل حركة المرور بين الجانبين الشرقي والغربي للمدينة.صورة للدمار في مدينة الموصل
رغم أن الموصل اشتهرت منذ عقود بتقدم مستوى الرعاية الصحية فيها، إلا أن الحرب أتت على المؤسسات الصحية أيضًا، يقول مدير صحة نينوى السابق الدكتور ليث عزيز أن نسبة الضرر التي أصابت مستشفيات المدينة متفاوتة، فالمستشفى الجمهوري الذي يقع ضمن المدينة الطبية دمر 100% ، في حين بلغت نسبة الأضرار في مستشفى ابن سينا التعليمي والأورام 90%، فيما تتفاوت نسب الدمار في المستشفيات الأخرى، لكن جميع المستشفيات تضررت.وأضاف مدير صحة نينوى أنه رغم الصعوبات الكبيرة إلا أن المؤسسات الصحية بدأت تستعيد عافيتها إلى حد ما، فالجانب الأيسر من الموصل يضم حاليًا 19 مركزًا صحيًا رئيسيًا وأربعة فرعية، أما الجانب الأيمن فضم 13 مركزًا صحيًا، وكلها فعالة، حسب قوله.أما التعليم في الموصل فله حكاية أخرى، تقول الأستاذة خولة الإبراهيم وهي مدرسة تعمل في مديرية تربية نينوى، إنه على الرغم من انقطاع الطلاب عن الدراسة لثلاث سنوات ورغم تضرر أعداد كبيرة من المدارس، إلا أننا استطعنا خلال فترة وجيزة أن نعيد الطلاب إلى مقاعد الدراسة من جديد.وتضيف الإبراهيم رغم أن العام الدراسي بدأ متأخرًا جدًا في الموصل، إلا أنه من خلال الحصص الدراسية الإضافية وتكاتف المدرسين، استطعنا أن نجري الامتحانات النهائية للطلاب، وبالتالي حافظنا على السنة الدراسية التي كان يتوقع الكثير أن تضيع مثل السنوات السابقة.النزوح ومخيمات اللاجئين
تبعات الحرب في أي بلد لا تقف عند بعد واحد، ولعل أكثر ما لفت الأنظار في معركة الموصل هو عدد النازحين الذين اضطروا لترك دورهم والتوجه إلى مخيمات النزوح، فقد أعلن المجلس النرويجي للاجئين الأحد 15 أكتوبر الجاري أن حوالى 700 ألف عراقي من الموصل، ومناطق مجاورة للمدينة لا يزالون نازحين رغم استعادة الجيش العراقي المدينة في يوليو الماضي.نزوح المدنيين أثناء الحرب
وأفاد تقرير المجلس النرويجي أنه بعد مضي عام على بدء معركة استعادة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية داعش، لا يزال 637 ألف عراقي من المدينة والمناطق المحيطة بها غير قادرين على العودة إلى أحيائهم المدمرة، ورجح المجلس أن يكون أكثر من نصف النازحين قد فقدوا وثائقهم المدنية الرسمية، من شهادات الميلاد والملكيات العقارية خلال الحرب ما سيزيد من صعوبة استعادة حياتهم ووضعهم إلى سابق عهده.