قبس من نور أضاء جبال ودروب مصر، حينما خطت السيدة مريم العذراء وفي يدها "رسول وليد"، هاربة به من تهديد القيص هيردوت الذي لاحقه ليقتله خوفا على عرشه من نبوءة قديمة.
وفي جبال المنيا وأسيوط كان الصخر أحن عليهما من بشر يقتفون أثرهما ودليلهما يوسف النجار ... ومع مرور الزمن ما يزال المصريون مسلمين وأقباضا يتلمسون وقع خطوات الركب المقدس طلبا للمحبة والبركة.ومؤخرا اعتمد بابا الفاتيكان أيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر، كانت دفعة قوية لوزارة السياحة لإعادة إحياء طريق الرحلة المقدس ما يعني ملايين الزوار الأجانب كل عام.. «أهل مصر» تلمست طريق "أم النور" وملاك الرب، في دروب المحافظات.
ـــ كنيسة أثرية في حضن الجبل وشجرة مقدسة سجلات تاريخية لرحلة العائلة المقدسة بالمنياتعد محافظة المنيا من بين المحافظات الشاهدة على تاريخ رحلة العائلة المقدسة على أرضها و التي يقصدها آلاف الزوار مسلمين وأقباطا للتبرك .وتقف منطقتا البهنسا الواقعة بمركز بني مزار شمال المحافظة ودير جبل الطير بمركز سمالوط شمالا شاهدا على رحلة وثقتها سجلات التاريخ فما بين كنيسة أختبأت بها مريم العذراء وابنها عيسى عليه السلام، وشجرة استظلا بها تبدأ قصة رحلة العائلة المقدسة بمحافظة المنيا تنسج خطواتها.
دم الشهداءفي بداية الرحلة الشاقة للسيدة مريم العذراء والمسيح عيسى عليه السلام بدأتها من أرض "دم الشهداء" كما يطلق عليها وهي أرض قرية البهنسا الآثرية، التي تقع بالقرب من الظهير الصحراوي الغربي بمركز بني مزار، وفيها استظلت العذراء والسيد المسيح أسفل شجرة تقع بالقرب من محيط مسجد سيدي علي الجمام قاضي قضاة البهنسا، والتي يقصدها الآلاف من الدول العربية والأجنبية وأهالي المحافظة للتبرك بها، خاصة في أيام الجمع والأعياد من كل عام.
لم تنته بعد رحلة العائلة المقدسة بمحافظة المنيا بقرية البهنسا، إذ امتدت الرحلة المباركة ناحية الجنوب وأختبأت السيدة العذراء وقطنت بتلك البقعة المقدسة ضمن رحلتها واستقرت في قرية دير جبل الطير، الواقعة أقصى شرق المنيا بمركز سمالوط علي ضفة النيل الشرقية، وهنا جسدت رحلتها معالم ظلت باقية في أذهان أهالي المحافظة.
ـــ جبل النورقرية دير جبل الطير جسدت توحد الصفوف بين المسلمين والأقباط والعرب والأجانب من قاصدي زيارة البقع المقدسة بالكنيسة الأثرية بالدير حتى تخطى زوارها نحو 3 إلى 4 ملايين سنويًا والتي يقبل عليها البعض لتأدية بعض الطقوس الدينية.يقول الأنبا متي كامل، خادم الكنيسة الأثرية بدير جبل الطير، إن قرية دير جبل الطير تعود تسميتها بذلك الاسم نسبة إلى وجود مجموعات من طيور "البوقيرس" المهاجرة من أوروبا إلى أفريقيا ذهابًا وإيابًا في العام ذاته؛ والتي كانت تستقر بالجبل حينها كان يصعب رؤية الجبل لتواجد تلك الطيور البيضاء بكثافة والتي كانت تنقر بمنقارها تاركة إثر استخلاصها للكالسيوم من الجبل، وكل طائر يمسك في الجبل مرفرفا بجناحه حتى الموت كما قال تقي الدين المقريزي.وأضاف كما سمي دير جبل الطير باسم دير السيدة العذراء؛ وذلك لمرور السيدة مريم العذراء عليه خلال رحلة العائلة المقدسة هربا من الرومان والتي استقرت داخل مغارة تقع كبقعة مقدسة داخل كنيسة السيدة العذراء المتواجدة بالدير، كما تعددت المسميات التي أطلقت علي الدير من بينها دير الكف، ويرجع ذلك إلى وجود صخرة كادت أن تسقط على العائلة المقدسة، فقام السيد المسيح بدفعها مما ترك أثر يده الشريفة على الصخرة، وأطلق على الدير دير البكارة؛ لوجود بكرة كانت تستخدم للصعود والنزول من أعلى الجبل كما ذكر علي مبارك في الخطط التوفيقية.وأوضح خادم الكنيسة أن "الساحرة الظالمة أرادت أن تنتقم من السيد المسيح في طفولته والسيدة العذراء وأثناء تواجدهما بالجزيرة السفلية بالدير استخدمت سحرها لاسقاط الصخرة عليهما، لكن تم تحطيمها عندما أشار السيد المسيح بيده للصخرة فتصلبت مكانها وطبع كفه عليها دون أن يلمسها وسقطت الساحرة في التو بكتبها وسحرها والسلاسل الحديدية، لافتًا إلى أن تلك الصخرة كانت متواجدة بالمكان حتى أخذها الرحالة أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر وهي الآن متواجدة بالمتحف البريطاني باسم الآثار المصرية.
- أم الأمبراطورالأنبا متى أضاف أنه "من الناحية الغربية للدير تقع الكنيسة الآثرية التي تطل على نهر النيل في مشهد هو الفريد من نوعه، ثم الناحية الجنوبية والشرقية توجد مدافن يرجع بعضها للعصر الفرعوني والتي أعيد استخدامها مرة أخرى في العصور المسيحية الأولى تبركا بقدسية المكان، والتي ترجع للقرن الرابع الميلادي، تحديدا في عام 328 جاءت إلى الجبل الملكة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين الأول وعندما علمت من الأهالي أن العائلة المقدسة قامت بزيارة المنطقة واختبأت في المغارة، أمرت بنحت وتفريغ الصخرة المحيطة بالمغارة على نظام طقس الكنيسة الأرثوذكسية".وأشار الأنبا إلى أن المنطقة اطلق عليها اسم كنيسة السيدة العذراء، وهى عبارة عن صخرة واحدة تم تفريغها إلى أربعة حوائط صخرية، وبالصحن 10 أعمدة صخرية، وفي عام 1938 تم تجديد وبناء الطابق الثاني والثالث بالكنيسة، كما توجد في مدخل الكنيسة لوحة مصنوعة ومرسومة من الفسيفساء الملون.
ـــ دير العذراء .. تفاصيل 6 أشهر قضتها العذراء في جبل درنكةانتهت وزارة السياحة المصرية من اعتماد مسار العائلة المقدسة والأيقونة الخاصة بها من الفاتيكان، لتبدأ أولى رحلات الحج الديني المسيحي لمصر وتنتهي بأسيوط بدير جبل درنكة.يتجه المسار المقدس إلى دير المحرق بأسيوط، وبه أول كنيسة شيدت في مصر تحقيقاً للنبوء الواردة في سفر أشعيا، حيث أقامت بهذا الموقع العائلة المقدسة فترة وصلت إلى 6 أشهر و10 أيام، وهى أطول مدة ظلت فيها العائلة المقدسة بموقع واحد أثناء تنقلها لتتجه بعد ذلك إلى دير جبل درنكة بأسيوط أيضًا، حيث أقامت به العائلة المقدسة في طريق العودة بعد أن تلقت رسالة بوفاة الملك هيرودس وإمكانية العودة، وبها مغارة بالجبل تضم مجموعة من الأيقونات.ــــ الأنبا بيشوي راعي الدير: الصخر كان أحن على المسيح وأمه من البشرويقول الأنبا بيشوي، راعي دير العذراء بجبل درنكة، إن الدير يضم مجموعة من الكنائس أقدمها كنيسة المغارة، وطول واجهتها 160 مترًا وعمقها 60 مترًا، وهى منذ نهاية القرن الأول المسيحي، ويعود تاريخها إلى حوالى 2500 قبل الميلاد، وبالدير كثيرا من الأبنية يصل بعضها إلى خمسة أدوار، وبها قاعات كبيره للخدمات الدينية والاجتماعية والأنشطه الفنية، وحجرات للضيافة والإقامةوأضاف راعي دير العذراء أن تاريخ مولد العذراء يرجع حينما كان حضن الجبل أحّن على المسيح وأمه، من حضن الإنسان، ففرت العذراء بوليدها، يرافقهما يوسف النجار، من بطش ملك الرومان (هيرودس) - حينذاك- الذي كان يود البطش بالمسيح.ففي رحلة طويلة استمرت أياما وليال، تكبدت خلالها العائلة المقدسة، ويلات السفر، ومشقة الترحال من بيت لحم بفلسطين، دخولًا إلى صحراء سيناء في مصر، ووصلت شرقي الدلتا مجتازة بعض بلاد الوجه البحري، ومنها إلى صعيد مصر حتى مدينة أسيوط، حتى استقرت في مغارة في حضن الجبل الغربي بقرية "درنكة"، حيث احتضنت هذه المغارة العذراء ووليدها، وحارسهما الأمين يوسف النجار، لمدة 15 يومًا.
- طقوس الدورةتعتبر"الدورة" أشهر الطقوس المؤداة خلال الاحتفال، وتنطلق في السادسة مساء كل يوم، بخروج صفين من الشمامسة بكنيسة المغارة، حاميلن أيقونة كبيرة للسيدة العذراء، وأمامها أطفال صغار يلبسون أيضًا ملابس الشمامسة البيضاء، تعلو أصواتهم بالترانيم والتسابيح، ويتوسطهم الأنبا مطران بملابس الرهبان حاملاً صليبًا بيده اليمنى.عبر ممرات طويلة، وطرق ممهدة، امتدت لها يد العمران على مدار عشرات السنوات، ترتفع تدريجيًا، كلما صعدنا إلى أعلى، يقع دير العذراء بدرنكة، حيث يتسم بروعة نحته داخل جبل أسيوط الغربي، على مسافة 120 مترًا عن سطح الأرض، دلالة على سمو ورفعة المكان، الذي احتضن العائلة المقدسة.وما إن تدور عيناك في المكان، حتى ترى المذبح، يتوسط كنيسة المغارة، حيث المكان، الذي يتم إعطاء العظة اليومية بداخله، خلال فترة الاحتفالات، بينما يقع في الجانب المقابل له معمودية قديمة، تمثل تراثًا كنسيًا، ولا يتم استعمالها الآن.ودير العذراء يقع بالجبل الغربي لمدينة أسيوط، على ارتفاع 120 مترا من سطح الأرض، ويبعد عن المدينة عشرة كيلومترات تقطعها السيارة في ربع ساعة، وللذهاب إلى الدير يعبر الزائر بالمدينة غربًا حتى يرى نفسه في مواجهة جبل أسيوط الواقف منتصبا، وعنده يتجه جنوبًا ثلاثة كيلومترات أخرى إلى قرية درنكة، ثم يتجه نحو الطريق الصاعد إلى الجبل مسافة كيلو متر، وفي نهايته تصل السيارة أمام أبواب الدير..ويمتاز موقع الدير بسهولة الوصول إليه، حيث يقطع الزائر مسافة الـ 3 كيلومترات من غرب المدينة ثم يتوجه إلى قرية درنكه، ثم يتجه نحو الطريق الصاعد إلى الجبل مسافة كيلومتر وفي نهايته تصل السيارة أمام أبواب الدير، بالإضافة إلى قربه من الطريق الدائري والذي يبدأ عند الكيلو 3 قبل الدخول إلى مدينة أسيوط من الجهة الشمالية وعند الكيلو 4 من الجهة الجنوبية.ومغارة الدير ترجع إلى نحو 2500 ق.م، كما يوجد أيضًا بالدير الكثير من الأبنية التي يصل بعضها إلى ارتفاع الـ5 أدوار، وبها قاعات كبيرة للخدمات الدينية والاجتماعية والأنشطة الفنية، وحجرات للضيافة والإقامة.ويعد القديس يوحنا الأسيوطي من أشهر الذين عاشوا بالدير، منذ أن بدأت حركة الرهبنة في القرن الرابع المسيحي وتمت إقامة أديرة عديدة للرهبان والراهبات.وقال المهندس نبيل الطيبى رئيس مركز ومدينة أسيوط يعتبر دير (السيدة العذراء) بجبل درنكة بأسيوط من أهم المزارات السياحية الدينية المهمة التى تتوافد عليه من جميع انحاء العالم ونتابع دائمآ للاطمئنان على الحالة العامة بما يخص دير درنكة من نظافة وإنارة وتجميل المكان والبيئة.واكتملت فرحتنا بعد أعلان بابا الفاتيكان البابا فرانسيس بأيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر وأعلنها من أنواع الحج المسيحية الرسمية في العالم والتي ستنتهى بدير العذراء بجبل درنكة.