مع كل عملية إرهابية يتعرض لها المصريون، تستعيد ذاكرتهم فترة زمنية عصيبة حكمت فيها البلد جماعة إرهابية، لم تنتمي يومًا لأرض ولم يكن لهم ولاءً لوطن، بل كان ولاؤهم لتنظيم مجرم يبيح سفك الدماء لخلاف سياسي أو عقائدي بين أبناء الوطن الواحد.
صارت كل عملية إرهابية تذكرهم بإعفاءات لمسجونين، أقل ما يتم تصنيفهم به أنهم إرهابيين شديدي الخطورة، إبان فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي؛ ناهيك عن فتح صالات مطارت العاصمة لاستقبال إرهابيين أشد خطورة، واستقدامهم من الخارج لحماية المعزول وجماعته إبان فترة عصية، أُختطف فيها الوطن.
في ظهر الجمعة 21 من أكتوبر الماضي، دارت معركة شرسة بين قوات الشرطة وعناصر إرهابية مسلحة عند الكيلو 135 بطريق الواحات، لتطهير المنطقة من بؤرة إرهابية، توعدت الشعب المصري بإثارة الفزع داخله، فقاتل رجال الشرطة الإرهابيين ببسالة وشجاعة نادرة، حتى نفذت ذخيرتهم وسقط فيها 16 شهيدًا من خيرة رجالنا، ولَم يبخلوا فيها بالدم للزود عن وطن غالي، وواجهوا ببسالة حتى أن والد الشهيد النقيب إسلام مشهور قال: "أنا فخور بابني الشهيد لأن الرصاصة جت في صدره وده معناه إنه كان يقاتل ومهربش من المعركة".
في هذه العملية، سقط النقيب محمد الحايس، في أسر تلك الجماعة الإرهابية، واتجهت أنظار المصريين، بعد أن شيعوا جنازات من سقطوا في المواجهة، إلى ابنهم الذي وقع في يد تلك الجماعات الخسيسة.
عاش المصريون، أيّام عصيبة ما بين أمل ورجاء ويأس وخوف، عن مصير ابنهم الغائب، وظهر والد النقيب المختطف في إحدى البرامج التليفزيونية مناشدا الرئيس، أن يريح قلبه، وأن يرد له ابنه من قبضة هؤلاء الإرهابيين، وقال: "عارف أني ممكن أكون بستعجلكم بس ربنا يصبرني ويصبر مصر كلها ودي ملحمة مصر كلها".
وحقًّا ما قاله والد النقيب، كان وجوع النقيب المختطف محمد الحايس بمثابة ملحمة خاضها رحال الجيش والشرطة، وضربوا فيها أروع الأمثلة للتضحية والفداء في إنقاذ زميلهم، ولم يتأخر الرئيس عن ذلك النداء الإنساني، فرد عليه قائلا: "نحن قادرون على تطهير مصر من الاٍرهاب والحفاظ على أرواح أبنائها".
وفي 31 أكتوبر الماضي، أعلن مصدر أمني مسئول، عن تحرير النقيب محمد الحايس، وبثت الأجهزة الأمنية فيديو مصور للحظات استعادة النقيب، وتابع المصريون بكل فخر تحرير ابنهم من براثن تلك الجماعة الإرهابية.
واستمرت عمليات الثأر لجنودنا في حادث الواحات، حتى تم القضاء نهائيًا عليها، وشاهد المصريون ما يبرد نارهم ويرد ثأرهم عبر فيديوهات بثتها الأجهزة المعنية، ولأن تاريخ الإرهاب طويل، فبعد تحرير النقيب محمد الحايس، استعاد المصريون قصة السبعة جنود الذين خطفوا في شمال سيناء صباح الخامس عشر من مايو 2013، إبان حكم المعزول محمد مرسي، وهو موقف تذكره المصريون، ولم يستطيعوا نسيانه، حينما قال المعزول وقتها: "أوجه ببذل المجهود لتحرير الجنود لكن مع الحفاظ على سلامة الخاطف والمخطوفين"، عبارة لن يتجاوزها المصريون في تاريخهم.
رئيس يحمي جماعة خطفت وأرهبت أبناء شعبه، حبس المصريون أنفاسهم وقتها خوفا على أبنائهم السبعة المخطوفين، ولمدة سبعة أيّام كاملة قضاها الجنود المخطوفين داخل عباءة العناصر الإرهابية يتأرجح فكرهم بين الموت والحياة، تابع المصريون شاشات التليفزيون ينتظرون لحظة الإعلان عن مصير أبنائهم، فهم في معية جماعة تدعمهم أكبر سلطة في الدولة، ليس هذا فقط بل وتطالب بحمايتهم.
في الخامسة وأربعون دقيقة من مساء الأربعاء الموافق 22 مايو 2013، أعلن مصدر عسكري في سيناء، أنه تم تحرير الجنود المختطفين بسيناء بفضل جهود المخابرات الحربية وشيوخ قبائل سيناء، فقد ترك الجنود بجوار "بئر لحفن" التي تبعد 15 كيلو عن العريش، وقامت سيارة في طريقها لمنطقة العوجة بنقلهم إلى أقرب كمين عسكري، وهي ذكرى ما لبثت أن عادت إلى أذهان المصريين مع تحرير النقيب محمد الحايس، لتذكرهم بحقبة لن ينسى المصريون يومًا ما عانوه وتكبدوه، حتى يتخلصوا من تلك الجماعة التي ما زالت تطل عليهم بين آن وآخر بعملية إرهابية خسيسة عزم المصريون ألا تقل من عزمهم شيئًا.