عندما تطأ قدميك للمرة الأولى الحي تشتم عبق تاريخ مضى تحت أنقاض الزمن، لكن الآن أصبح وكرا لممارسة كل ما هو مخالف للقانون بداعى العشوائية والتكدس السكاني تلك الكلمات المؤلمة ما هى إلا مدخل لفاجعة أشد ألمًا. حديثنا السابق عن ميدان بركة "تل ديدوسيا" سوق الغلال، إقليم سوق اللبن كما أطلق عليه في كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" للرحالة ابن بطوطة".
عند دخول الميدان الرئيسي تقع زهرة الميدان "معبد الخوخة " على اليسار بمساحة تتجاوز 1800 متر مربع، مكون من واجهتين، الشرقية مقسمة لـ6 محال تجارية، أما الواجهة القبلية ففيها ثلاث وحدات سكنية كل منها مكون من غرفتين.يرجع تأسيس المعبد لثمان قرون مضت، اختلفت آراء السكان الأصليين لمنطقة حول القصص المتناقلة من آبائهم وأجدادهم عن سر إنشاء المعبد وتسميته بهذا الاسم.
يقول "إبراهيم سمية "أحد ساكني العقارات الملاصقه لـ "الخوخة" كما يطلق عليها حاليًا: "سمعنا من أجدادنا أن سيدة يهودية تدعى خوخة كانت تعيش فى المحلة منذ 800 عام ولكنها كانت تملك من الدهاء الكثير، بعد تغير العاصمة من المحلة لسمنود كان العبيد يهربون فى السراديب من هنا إلى سمنود تحت الأرض"، مضيفا:" في يوم أتى العسكر للتفتيش عن مدخل الأنفاق فعرضت أن تدلهم على المكان بشرط إعطائها قطعة أرض بمساحة جلد بعير جمل؛ فوافق الحاكم، لكنها قامت بتفكيك وقص الجلد لقطع صغيرة وشعر ونثرتها على الأرض وكان لها ما أرادت وحصلت على 1800 متر مربع ومن ثم أقام عليها زوجها فضيل بن أبي آوى بن حنائيل الأمشاطي معبدا يحج إليه يهود العالم أجمع من نهاية مارس وحتى مايو من كل عام".
وقد نُظمت داخل تلك الجدران وعلى مدار 7 قرون مضت الاحتفالات اليهودية من زواج وتلقين الفتية تعاليم الدين اليهودي، تقول إحدى العجائز وتدعى "لبيبه السعيد" "الخوخة" كانت دائما ما كنا نسمع دق الأجراس بها وأحيانًا ما كنا نرى الشماس ونسمع بعض جملهم فى "المولد" الذى كانت مراسمه تستمر على مدار ثلاثة أيام يتوافد عليه أشكال وألوان من البشر حتى الستينات وبعدها اختفت الاحتفالات واليهود نفسهم.
و"الخوخة" حاليا عبارة عن أطلال بها بعض الأعمدة الرخامية وسط تل من الأنقاض يتوسطها بئر يطلق عليها البئر المقدس ولوحة مكتوب عليها بثلاث لغات (العربية والفرنسية والعبرانية) عبارة (من فضلك لا تتلف الزهور).يتابع "رأفت خيري": "لم يتبقى غير الأطلال التى تحولت فيما بعد لمقلب للقمامة ومرتعا للحيوانات الضالة بل وصلت لأكثر من ذلك لتصبح وكرا لمروجي ومتعاطي المخدرات، حتى اختفى التاريخ تحت الأقدام، مشيرا إلى إن المعبد كان يضم مكـتبة ضخمة بها الكثير من نفائس الكتب والمخطوطات وعددا من الأواني الذهبية وبعضا من التحف الرائعة النادرة ونسـخة من التوراة المقدسة منسوخة على جلد غزال، كما كانت المكتبة تضم مخطوطات من أقدم المخطوطات العبرية في العالم وقد نقلت كلهـا إلى القاهرة ولا نـدرى أين ذهبت بعـد ذلك؟.
واستولى العديد من سكان المنطقة على مساحات كبيرة من "الخوخة" كما تم نهبها من قبل اللصوص، حيث كان من العادات اليهودية القديمة دفن الموتى بكامل ملابسهم وزينتهم وما يملكون من كنوز وأموال؛ فنبشت القبور واستباح العديد حرمة المكان، ولم يتبقى سوى جزء من الهيكل والأعمدة الرخامية وبعض الجدران كما يوجد بالأطلال أيضا مدخل السراديب من المحلة حتى سمنود على الرغم من تهدم الكثير منها؛ لتظل تلك الأطلال شامخة شموخ الحضارة شاهدة على التاريخ مهما أنحدر بها الحال ليسدل الستار عن قصة دهاء امرأة كانت سببًا في بناء صرح مضى على وجوده 8 قرون.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
