دعوات انتشرت في الأونة الأخيرة، تحذر من انتشار فكر «اللاهوت الليبرالي» في العقيدة المسيحية وهو فكر يقوم على تسييد العقل على كل شيء حتى الإيمان، فضلا عن رفض المسلمات وانكار العقائد والتقاليد وتعاليم الكنيسة والتحرر من كل ذلك وهو ما دفع البعض لتسميته «لاهوت التحرر»، بحسب عصام نسيم، خادم الكنيسة الأرثوذكسية.
ويضيف أن اللاهوت الليبرالي أو «لاهوت التحرر» هو مجموعة من الأفكار ظهرت في الكنيسة البروتستانتية بأوربا وبالتحديد في ألمانيا منتصف القرن التاسع عشر مع ظهور ما يعرف بعصر التنوير أو النهضة الصناعية في أوربا وكان أهم رواده ايمانويل كانط وجورج هيجل وفريدريك شيلمخر وتشارلز داروين صاحب نظرية التطور، و أهم أفكاره إنكار الوحي الآلهي للكتاب المقدس والادعاء أن الكتاب المقدس وقصص الخلق والسقوط والطوفان هي أساطير قديمة تأثر كتاب العهد القديم أو الكتب المقدسة بشكل عام بها و أيضا الادعاء بأن آدم وحواء هي شخصيات أسطورية غير حقيقية بل ووصل بهم الامر الى انكار معجزات السيد المسيح نفسه وبدع أخرى كثيرة.
اقرأ أيضًا.. "الإنجيلية" توافق على إزالة كنيستها بالأقصر
ويشير عصام نسيم، خادم الكنيسة الأرذوثكسية، إلى أن الفكر انتشر بعد ذلك في بعض الكنائس البروتستانتية في أوربا ثم انتقل إلي أمريكا حتى اصبحت الكثير من الكنائس البروتستانتية هناك تعتنق الفكر الليبرالي, وقد وجد الفكر مقاومة من بعض القادة البروتستانت خصوصا في بداية القرن العشرين، ولكن رغم المقاومة انتشر في بعض الكنائس، وتسلل الفكر الليبرالي للكنيسة الكاثوليكية بدءاً من القرن العشرين ورغم وجود مقاومة لهذا الفكر من بعض باباوات كنيسة روما مثل البابا بايوس العاشر الذي أطلق عليها بدعة، والبابا ليون الثالث عشر ولكنه وجد طريقه للفاتيكان، وكان أهم تأثيراته في المجمع الفاتيكاني الثاني من المناداه بخلاص غير المؤمنين وتبرئة اليهود من دم السيد المسيح، وأصبح كثير من كتب التفسيرات للعهد القديم وخصوصا سفر التكوين عند الكنائس الكاثوليكية تحمل هذا الفكر وخصوصا الكنائس في لبنان.
ويتابع، في نهاية القرن العشرين وصل الفكر الليبرالي إلى الكنائس البروتستانتية في مصر وتأثر بعض الوعاظ والقادة البروتستانت بهذا الفكر ومنهم من تأثر نتيجة لدراسته هذه التعاليم في بعض المعاهد وكليات اللاهوت الليبرالية في الخارج وهناك عظات لبعض الوعاظ تشكك في الكتاب المقدس ومعجزات السيد المسيح وهناك بعض الكتب الموجودة حاليا تحمل هذا الفكر مثل كتاب اسئلة في العهد القديم وغيرها فهناك بعض البرامج التي ناقضت بعض افكار هذا الفكر وايضا بعض القسوس البروتستانت قاموا بكتابة بعض الكتب والمقالات تفند وترد على هذه الافكار المنحرفة، ومؤخرا هناك بعض القساوسة والقادة البروتستانت الذين شعروا بخطر هذا الفكر المخرب وبدأ بعضهم بالرد عليه والتحذير من خطورته لانه فكر هدام للايمان المسيحي وايضا يطعن ويشكك في الكتاب المقدس مما يسبب الالحاد خصوصا عن الشباب الصغير الذي يعتنق هذا الفكر.
وأكد خادم الكنيسة الأرثوذكسية أن من أهم نتائج هذا الفكر هو التشكيك في الكتاب المقدس وقصص الخلق مع ظهور نظرية التطور التي تنادي أن الانسان جاء بالصدفة وليس نتيجة خلق الله له، وأيضا انتشار الالحاد بكثرة خصوصا في ألمانيا وهي الدولة التي نشأ فيها هذا الفكر المتحرر، و من نتائج الفكر سيامة السيدات قساوسة وأساقفة وهو أمر مخالف لتعاليم الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة وأيضا السماح عند بعض الكنائس بزواج المثليين أي الشواذ جنسيا، وهو أمر مخالف للايمان المسيحي وكل التعاليم المسيحية.
وشدد عصام نسيم، أن الكنيسة الارثوذكسية كانت وستظل محافظة على الايمان الارثوذكسي السليم الذي تسلمته من السيد المسيح نفسه وتلاميذه الرسل القديسين وهي تؤمن بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله وكل ما به من أحداث هي حقيقية حدثت بالفعل ولا يوجد في الكتاب المقدس أي أساطير أو أحداث غير حقيقية، لكن الفكر الذي ينتشر بين بعض الشباب وخصوصا الذي تأثر بهذا الافكر نتيجة قراءته لبعض الكتب التي تحمل الفكر اللاهوتي المتحرر ومعظمها مترجمة وموجودة على الإنترنت وربما يكون هناك بعض الخدام الذين تأثروا بهذا الفكر ولكن الكنيسة بشكل رسمي كتعليم ترفض هذا الفكر بشدة .
ويستطرد، وجدنا مؤخرا من ينادي أن الكتاب المقدس به أساطير أو ميثولوجيا أو البعض الذي يشكك في قصص الخلق وأيضا من ينكر حقيقية قصة الطوفان وكل هذه الأفكار بالطبع هي من تأثيرات «لاهوت التحرر» حيث قامت الكنيسة كدورها دائما بالتوعية والتحذير والرد على هذه الافكار، وهناك أدوار أخرى مطلوبة مثل بث برامج على القنوات الفضائية المسيحية تناقش وترد على هذا الفكر وتوضح خطورته و أيضا مزيد من المحاضرات والندوات والمؤتمرات للشباب بشكل خاص في الكنائس المصرية بشكل عام وأيضا اصدار كتب ونبذات توضح وترد على هذا الفكر.
أما الدكتور القس إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان السماوية، فأكد أن فكر الكنيسة الإنجيلية لا يؤمن بالفكر اللاهوتي الليبرالي الذي نشأ في ألمانيا والذي ينكر الميلاد العذراوي و قيام المسيح، والقيام من بين الأموات، وغيرها مما يعد تطرف ليبرالي يخالف فكر و مسلمات الكنيسة الإنجيلية التي تعتبر كنيسة منفتحة وتربط بين الإيمان والعلم والأفكار الجديدة والمطورة وهو ما دعى إليه المسيح في الكتاب المقدس، لذلك ينتقد الأصوليين والحرفيين في الطوائف المسيحية، للفكر البروتستانتي الذي يسعى لإعمال العقل وتفسير الكتاب المقدس بطريقة تتناسب مع معطيات العصر الحالي لكنها مغايره تماما لليبرالية الألمانية.
ويضيف، الخلاف بين الكنيسة الإنجيلية وتحديدا الفكر البروتستانتي والكنيسة الأرثوذكسية يتمثل في هل الوحي حرفي إملائي أم وحي مستنير؟، لذا الكنيسة الإنجيلية أيضا تعاني من المنغلقين المتشددين من أبنائها، فضلا عن خلافات عقائدية أساسية كثيرة بين الطائفتين الأرثوذكسية والإنجيلية، منها أن الأخيرة لاتؤمن بأن الخبز والخمر يتحول إلى جسد المسيح، أيضا أن خلاص الإنسان ليس بالمعمودية أو صلاة الكاهن لأن الكهنوت فكر مرفوض في البروتستانتية بينما الخلاص في المسيح.
وأوضح لمعي، أن الله أعطى للإنسان عقل ليفكر لذا ترجمة كلمة «لوجوس» في اليونانية هي «عقل الله»، والمسيحية ديانة معتمدة في الأساس على اللوجوس، والكتاب المقدس يتفق مع العقل والمنطق وهذا لا يتنافى مع الإيمان، متابعا: إن الكنيسة الإنجيلية أسسها مارتن لوثر منذ أكثر من 500 عام لإحداث الإصلاح في العالم، ورفض الطقوس التي تتنافى مع العقل مثل الخلاص بمعمودية المياه أو من خلال كاهن لكن الإنجيلية تؤمن بمعجزات المسيح وقيامه من بين الأموات وغيرها من مسلمات تتنافى مع فكر اللاهوت الليبرالي الألماني.
نقلا عن العدد الورقي.