قال الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن فطرة الإنسان هي طريقه الأول نحو الإيمان بالله تعالى ومعرفته؛ والمقصود بالفطرة ما يشعر به كلّ إنسانٍ من ميلٍ إلى اعتقاد الحق وإرادة الخير والإقرار بوجود إلهٍ خالقٍ للكون مدبرٍ له، هذا الشّعور أو الوعي القويّ بوجود "الإله"، هو قدر مشترك بين الناس جميعًا لا يخلو منه أحد من البشر منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأضاف خلال برنامج "الإمام الطيب" أن تاريخ الأمم والشّعوب في القديم والحديث يشهد بشيوع فطرة الاعتقاد في الله والإيمان به بين الأمم الهمجية والبائدة مثلما يشهد -بنفس القدر- بشيوعها في الأمم المتحضرة والحديثة سواءً بسواءٍ، حيث كان الإيمان بالله -وسيظلّ- شعورًا مشتركًا بين بني البشر جميعًا، يشعر به الصغير والكبير، والعالم والجاهل، بل إن الله فطر الجمادات والحيوانات على تسبيحه وتحميده وتنزيهه؛ فهي مفطورة على معرفة خالقها، مصداقًا لقوله تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا}،
وأكد الإمام الأكبر أن القرآن الكريم يشير في وضوحٍ -لا لبس فيه- إلى هذه الفطرية، ويقرر حقيقتها، ويعتبرها «حجر الزاوية» في بناء العقيدة الإلهية؛ وذلك في قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، مضيفًا أن المراد بالفطرة في هذه الآية هو: الإقرار بمعرفة الله تعالى.
وأشار إلى أن الفطرة كثيرًا ما تعرض لعلل وعوارض وصوارف تنحرف بها نحو الفساد والضلال، وتأتي وسوسة الشياطين وغوايتهم في مقدمة هذه الصوارف، ثم تتلوها عوامل أخرى سيئة تعمل عملها في الخروج بالفطرة عن طبيعتها الخيرة، والانحراف بها نحو العمى والضلال والجحود.
وأوضح الإمام الأكبر أن النبيّ ﷺ نبهنا إلى أمر انحراف الفطرة وفسادها بسبب الشيطان أو ضلال الأبوين أو اضطراب البيئة الفكرية والعقلية؛ فقال فيما يرويه عن ربه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا...»، مضيفًا أن الذين يولدون في بلاد ليس فيها احترام للدين، أو بها محاربة صريحة للدين، أو يُعمَّى على تبليغ الدعوة الإسلامية من منابعها الصافية ويُكتفى فيها بالصورة النمطية التي تشوه الإسلام والمسلمين الذين يعيشون في ظل هذه المجتمعات يعاملون معاملة أهل الفترة، لقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتىٰ نبعث رسولًا".