اعلان

التفاصيل الكاملة لرفض «إعادة ترسيم الحدود».. والمحكمة: توقيع الاتفاقية لا يتم بالإرادة المنفردة للسلطة التنفيذية

كتب :

قضت دائرة الحقوق والحريات بمحكمة القضاء الإدارى بجلستها المنعقدة أمس برئاسة المستشار يحيى دكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين عبدالمجيد المقنن وسامى درويش وحضور مفوض الدولة محمد الدمرداش، برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الطعن على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وقبولها شكلًا، وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة فى إبريل سنة ٢٠١٦ المتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصرى، وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة المصرية عليهما، وحظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح أية دولة أخرى، وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت جهة الإدارة المصاريف.

وهى الدعوي التى قام برفعها كل من خالد على وعلى أيوب، وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إنه بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

ومن حيث إن تكييف الدعوى وإسباغ الوصف الصحيح على الطلبات هو من سلطة المحكمة، ولما كان المدعيان قد وصفا تصرف جهة الإدارة المطعون عليه بالقرار بالإدارى، وكان القرار الإدارى بتعريفه المشهور فى قضاء هذه المحكمة بأنه إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة، وفقا لأحكام القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانونى ومن بين ما يميز القرار الإدارى عن أعمال الإدارة الأخرى، أنه يصدر بإرادة منفردة من جهة الإدارة، إما الاتفاقية الدولية أو المعاهدة فهى عمل قانونى تبرمه السلطة التنفيذية مع دولة أخرى أو منظمة دولية من أشخاص القانون الدولى، وما يميز إبرام المعاهدة أو الاتفاقية الدولية عن القرار الإدارى أنها عمل قانونى لا يتم بالإرادة المنفردة للسلطة التنفيذية، فهى تغاير فى طبيعتها القرارات الإدارية، ولا تختلط بها، وعلى هدى ذلك فإن التكييف الصحيح لطلبات المدعيين فى الدعوين هى الحكم: ببطلان توقيع ممثل حكومة جمهورية مصر العربية على الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية فى إبريل ٢٠١٦ والمتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموما ولائيا بنظر الدعويين، استنادا إلى أن إبرام الاتفاقية محل الدعويين، يعد عملا من أعمال السيادة، وإلى أن الطلبات فى الدعويين تتعلق بأعمال برلمانية، لأن مجلس النواب يختص بالموافقة على المعاهدات، فإن هذا الدفع مردود فى أساسه المستند إلى نظرية أعمال السيادة، بأنه طبقا لما قضت به المحكمة الإدارية العليا، فإن أعمال السيادة ليست نظرية جامدة، وإنما تتسم بالمرونة وتتناسب عكسيًا مع الحرية والديمقراطية فيتسع نطاقها فى النظم الديكتاتورية، ويضيق كلما ارتقت الدولة فى مدارج الديمقراطية.

ومن ثم فالأصل هو اختصاص القضاء بنظر جميع الطعون التى توجه ضد أى عمل أو قرار يصدر عن جهة الإدارة، ولا يخرج عن رقابته إلا ما يصدق عليه من هذه الأعمال، أو القرارات أنه من أعمال السيادة، وذلك التزاما لنص المادة ١٧ من قانون السلطة القضائية رقم ٤٦ لسنة ١٩٧٢ والمادة ١١ من قانون مجلس الدولة رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٢.

وقد استقر قضاء هذه المحكمة مؤيدا بقضاء المحكمة الإدارية العليا على أن أعمال السيادة، هى تلك الأعمال التى تباشرها الحكومة باعتبارها سلطة حكم فى نطاق وظيفتها السياسية، وأن عدم امتداد الرقابة القضائية إليها التزاما بنص المادتين سالفتى الذكر، ليس مرده أن هذه الأعمال فوق الدستور والقانون، وإنما لأن ضوابط ومعايير الفصل فى مشروعيتها لا تتهيأ للقضاء، بالإضافة إلى عدم ملاءمة طرح هذه المسائل علنا فى ساحات القضاء.

ومن حيث إنه فى ظل العمل بالدستور المصرى الصادر عام ١٩٧١ أخضعت المحكمة الدستورية العليا المعاهدات التى أصبحت لها قوة القوانين لرقابتها وقضت بأن ذلك يطرح على المحكمة توافر المتطلبات الشكلية، ليكون لها قوة القانون ورفضت الاحتجاج بفكرة أعمال السيادة لمنعها من نظر الدعوى الدستورية المتعلقة بالاتفاقيات الدولية.

ومن حيث إنه حتى يمكن لجهة الإدارة التمسك بنظرية أعمال السيادة لمنع القضاء من نظر عمل من أعمالها، فإن أول شروط أعمال تلك النظرية هو أن يكون العمل القانونى داخلا فى اختصاصها، وأن يكون مستوفيا للاشتراطات التى يقررها الدستور ومتجنبا المحظورات التى يفرضها، فإذا ثبت أنها غير مختصة به أو أن جهة أعمال السيادة لمنع القضاء من بسط رقابة المشروعية على عملها، وإذا كان دفع الحاضر عن جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، إنما ينطوى على تسليم لا ريب فيه بحدوث واقعة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية فى إبريل ٢٠١٦ الذى تتنازل فيه مصر عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وذلك على النحو الوارد ببيان مجلس الوزراء.

لأن الدستور الحالي استحدث حكما جديدا حظر بموجبه حظرا مطلقا التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة بحكم خاص، فضلا عن أن هذه المحكمة لم تقض فى جميع الدعاوي الخاصة بالاتفاقيات الدولية بعدم اختصاصها ولائيا بنظرها.

ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى استنادا إلى أن الطلبات فى الدعوى تتعلق بعمل برلمانى لأن مجلس النواب يختص بالموافقة على الاتفاقيات طبقا لنص الفقرة الأولى من المادة ١٥١ من الدستور، فإن إبرام المعاهدات الدولية من اختصاص السلطة التنفيذية وهى التى توقع عليها، واختصاص مجلس النواب بالموافقة على المعاهدات - فى الحالات التى يجوز له ذلك طبقا للدستور - تالٍ لمرحلة التوقيع عليها ولا يختلط اختصاص كل سلطة وعرض جهة الإدارة لعملها على البرلمان أو عدم عرضه لا أثر له فى مباشرة محاكم مجلس الدولة لرقابة المشروعية على أعمال الإدارة ولا يحجب اختصاص محاكم مجلس الدولة عن نظر هاتين الدعويين، ومن ثم فإن الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى استنادا إلى الأساسين المشار إليهما، يكون غير صحيح. ويتعين الحكم برفضه والقضاء باختصاص المحكمة بنظر الدعوى.

ومن حيث إن رئيس مجلس النواب لا صفة له فى الدعويين ومن ثم يتعين عدم قبول الدعويين فى مواجهته وتكتفى المحكمة بالإشارة إلى ذلك فى الأسباب دون المنطوق.

ومن حيث إن كلتا الدعويين استوفيتا أوضاعهما الشكلية، ومن ثم يتعين قبولهما شكلا فى مواجهة باقى المدعى عليهم.

ومن حيث إنه عن موضوع الدعويين فإن الدستور المصرى أكد فى المادة «١» على أن «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة»، وأشار إلى موقع مصر فى إفريقيا وإلى امتداد جزء من إقليمها فى قارة آسيا وعقد السيادة للشعب وحده لأنه مصدر السلطات طبقا لنص المادة «٤» وألزم الدولة بحماية قناة السويس والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لمصر، كما ألزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية طبقا لنص المادتين ٤٣ و٤٥ وأوجب الحفاظ على الأمن القومى لمصر وحمل جميع المصريين واجب الدفاع عن الوطن وحماية أرضه ووصف فى المادة ٨٦ واجب الدفاع عن الوطن وحماية أرضه بوصفين لم يجتمعا إلا له - فهو شرف وواجب مقدس وألزم الدستور رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة قبل أن يتولوا مهام مناصبهم وقبل مباشرة أعمالهم يأن يؤدوا يمينا يتعهدون فيها بالمحافظة على وحدة وسلامة أراضى الوطن، وقد وردت صيغته فى المادتين ١٤٤ و١٦٥ من الدستور وبين الدستور فى المادة ٢٠٠ مهمة القوات المسلحة والتزامها بالحفاظ على سلامة أراضى الدولة، فنصت على «أن القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها».

وقد نظم الدستور إبرام المعاهدات فنص فى المادة ١٥١ على أن «يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور».

ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة.

الحرب مع دولة أخرى ومعاهدات التحالف هى المعاهدات التى يترتب عليها دخول الدولة فى حلف عسكرى أو سياسى مع دولة أو عدد من الدول، أما عن المعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة فإن حقوق السيادة هى الحقوق الحصرية التى تمارسها الدولة على إقليمها البرى والبحرى والجوى وعلى مواطنيها وعلى الأجانب الموجودين على أرضها، ومن هذه الحقوق فرض نظامها القانونى والقضائى بتطبيق قوانينها على إقليمها وإخضاع المواطنين والأجانب المقيمين بالدولة للمحاكم الوطنية وسلطتها فى فرض الرسوم والضرائب وفى حماية إقليم الدولة عن طريق القوات المسلحة وفرض الأمن وحماية النظام العام بواسطة الشرطة، وغير ذلك من حقوق تتعلق بسائر مظاهر السيادة التى يمكن للدولة أن تمارسها على إقليمها، فإذا أبرمت الدولة معاهدة تتضمن قيودا على حقوق السيادة كتلك التى تقيد من وجود القوات المسلحة على جزء من إقليم الدولة أو التى تستثنى الأجانب من الخضوع للقانون أو القضاء الوطنيين أو تشمل تقرير امتيازات لدولة أخرى أو لرعاياها تمس سيادة الدولة، فإن تلك المعاهدة لا يجوز التصديق عليها قبل موافقة الشعب عليها فى استفتاء عام، لذلك منع الدستور التنازل عن أى جزء منه خصوصا أن حماية إقليم الدولة ووحدة وسلامة أراضيه هو التزام وواجب دستورى وقانونى فى عنق كل مواطن من مواطنى الدولة، أيا كان عمله أو موقعه داخل سلطة ما أو فردا عاديا، وقد جبل المواطن على حماية أرض بلاده قبل أن يحضه على ذلك نص فى الدستور أو القوانين.

ومن حيث إن مصر دولة منذ أكثر من خمسة آلاف عام فى موقعها المعلوم للكافة، وزادت مساحتها فى أوقات قوتها إلى ما حولها من أراض، كما تعرضت لغزو أو احتلال واختلفت أوضاعها القانونية، لكنها لم تزل من الوجود فى أى وقت ، وظل إقليمها متميزا فى كل مراحل التاريخ، وارتبطت سيناء وجزيرتى تيران وصنافير والجزر المصرية فى خليج السويس والبحر الأحمر بمصر ارتباط الجزء بالكل، وقد طبقت مصر القوانين واللوائح المصرية على جزيرتى تيران وصنافير، وتضمن أطلس مصر والعالم، الصادر من إدارة المساحة العسكرية بوزارة الدفاع عام ٢٠٠٧، المودع ملف الدعوى خريطة سيناء، وتضمن أن جزيرتى تيران وصنافير ضمن حدود الدولة المصرية وتتبعان محافظة جنوب سيناء، كما تضمن شرحا لخصائص الجزيرتين ومساحة كل جزيرة.

ومن حيث إنه فضلا عما سبق تفصيله من اعتبارات قانونية وتاريخية تثبت مصرية الجزيرتين فإن الواقع الحاصل على الأرض منذ زمن بعيد أن الدولة المصرية تمارس على الجزيرتين بالفعل حقوق سيادة كاملة، لا يزاحمها فى ذلك أحد، لدرجة أن مصر ضحت بدماء أبنائها دفاعا عن الجزيرتين، وهو ما يفصح إفصاحا جهيرا عن أنهما أراض مصرية.

ومن حيث إنه نزولا على كل ما تقدم يتضح أنه من المقطوع به أن كلا من جزيرتى تيران وصنافير أرض مصرية من ضمن الإقليم البرى لمصر، وتقعان ضمن حدود الدولة المصرية، وقد مارست مصر السيادة على الجزيرتين بصفة دائمة ومستمرة، وتخضع الجزيرتان للقوانين واللوائح المصرية، كما أن سيادة مصر عليها متحققة طبقا للمعايير المستقر عليها فى القانون والقضاء الدوليين، وتبعا لذلك يحظر التزاما بحكم الفقرة الأخيرة من المادة ١٥١ من الدستور الحالى التنازل عنهما، ومن ثم يكون ما قام به ممثل الحكومة المصرية من التوقيع على اتفاقية ترسم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية فى إبريل ٢٠١٦ التى تضمنت تنازل مصر عن الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، بحجة أنهما تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية، قد انطوى على مخالفة جسيمة للدستور تبطله، وذلك على الرغم من محاولة ستر هذا التنازل المحظور خلف اتفاق على ترسيم الحدود البحرية، لأن ترسيم الحدود البحرية مع دولة لا يتصل إقليمها البرى مع الإقليم البرى المصرى، لا يجوز أن يمتد أثره إلى أى جزء من الإقليم البرى المصرى.

الاتفاقية المشار إليها مع ما يترتب على ذلك من آثار وأخصها استمرار جزيرتى تيران وصنافير ضمن الإقليم البرى للدولة المصرية وضمن حدودها، واستمرار خضوعهما للسيادة والقوانين وحظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح دولة أخرى، وأن تظل المياه التى تفصل بين جزيرة تيران وصنافير مياها داخلية مصرية، وكذلك المياه التى تفصل بين جزيرة تيران وسيناء مياها داخلية مصرية، واستمرار مضيق تيران واقعا داخل الأراضى المصرية من الناحيتين مع استمرار حقوق مصر عليه بوصفها دولة المضيق، وفقا لقواعد معاهدة فيينا لقانون المعاهدات وقواعد القانون الدولى والأصول الدبلوماسية المتبعة فى هذا الشأن.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً