شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأيام الماضية أحداث ساخنه، بداية من مقتل الأنبا ابيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار، مرورا بأحداث المنيا، والتي تزعمها الأنبا مكاريوس، أسقف عام إيبارشية المنيا وأبو قرقاص، انتهاءا بأحداث دير السلطان في القدس.
الأحداث الأخيرة ليست وحدها التي اقلقت قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، واحرجته على المستوى الكنسي، ومع الدولة، لكنه منذ أن وصل إلى سدة الكرسي المرقسي، وهو يعيش أجواء ساخنه، خاصة من الحرس القديم الرافض لتواجده، ومحتج على أغلب قراراته، وإن لم يكن جميعها، وهو ما أشعر البطريرك بالضيق، وجعله مكبل اليدين،نظراً لما يتمتع هؤلاء من نفوذ اكتسبوه بحكم موقعهم من الراحل البابا شنودة.
البابا تواضروس عزم منذ البداية، إبعاد المشاغبين، أو من شعر انهم يعطلون خطة الإصلاح التي وضعها، فكانت البداية بالانبا يؤانس، سكرتير البابا شنودة، حيث رسمه أسقفا على إيبارشية أسيوط، خلفا للراحل الأنبا ميخائيل، وبذلك كشر عن أنيابه للحرس القديم، نظرا لقوة الأنبا يؤانس، وهو ما جعل الجميع يآخذ ركنا، ويتركون البطريرك يتحرك كما يشاء، لكن هذا لا يمنع وجود تحركات خفيه، من شأنها إحداث بلبلة من حين لآخر.
مرت الأيام هادئة نوعا ما، على البطريرك، والكنيسة، خلالها وطد علاقته مع أجهزة الدولة، والتي ظهرت متناغمة في كثير من المحافل، والأزمات السياسية، وكانت الكاتدرائية الجديدة بالعاصمة الإدارية، تتويجا للعلاقات بين الطرفين.
الأوضاع الهادئة والمتناغمة لم يعكر صفوها إلا الأحداث الطائفية التي تشهدها المنيا من وقت لآخر، ويصر الأنبا مكاريوس، على التصعيد، بغية تحقيق العدالة، وهو ما يعتبره البطريرك، احراجا له مع أجهزة الدولة، إلى أن تنتهى، لكن سرعان ما تتجدد الأزمة، وفي كل مرة يتعرض البابا لاحراج جديد.
رحيل الأنبا ارسانيوس، مطران المنيا، فرصة للتخلص من الأنبا مكاريوس أيضا، بنقله إلى إيبارشية أخرى أكثر هدوءا، كثيرون يعرفون أن البابا يميل إلى هذا الاتجاه، لضمان عدم التصعيد مرة أخرى في المحافظة الملتهبة طائفيا، لكنه اصطدم برغبة الشعب والكهنة في الإبقاء على الأنبا مكاريوس.
واجتمع البابا تواضروس، بكهنة المنيا وابوقرقاص، في المقر البابوي بدير الأنبا بيشوي، لاختيار بديل الأنبا ارسانيوس، الذي تنيح مؤخرا، واستطلاع رغبتهم في الإبقاء على الأنبا مكاريوس، أو اختيار بديل، مع معرفة رغبتهم في تقسيم الايبارشية إلى اثنين أو بقاء الوضع كما هو عليه.
البابا علم مسبقا أن هناك رغبة لدى الشعب والكهنة، بالإبقاء على الأنبا مكاريوس، وهو ما يخالف اتجاه، حيث يتعرض لضغوط لنقل أسقف المنيا، لإخماد ما يشعله من ثورات، في أعقاب كل أزمة طائفية، كما أن وجهاء الأقباط في المنيا أيضا يعتبرونه مصدر إزعاج وإحراج لهم مع أجهزة الدولة، لذى يضغطون في اتجاه نقله خارج الإيبارشية، في حين أن الأنبا مكاريوس نفسه، يريد البقاء، متحصنا بالفقراء هناك.
اجتماع البابا وكهنة المنيا، أظهر أكثر من توجه، حيث أن البعض أعلن كتابتا رفضهم لاستمرار الأنبا مكاريوس، في حين أعلن الكثيرين منهم جهارا رغبتهم في الإبقاء عليه، اما الفريق الثالث، فجلس مع البطريرك وجها لوجه، واشتكى سوء الإدارة في الإيبارشية، جميع هذه الرغبات وضعت أمام البطريرك، وفي النهاية أجل رسامة أسقف للمنيا، وفضل استمرار الوضع على ما هو عليه، لحين البت في الأمر.
مصدر كنسي فسر ذلك، بوجود نيه لدى البطريرك بالإطاحة بالانبا مكاريوس، لكنه تخوف من إعلان ذلك في الاجتماع الأخير مع الكهنة، لئلا تحدث صدامات بين المؤيدين والمعارضين، كما أن البابا يعلم نية الجميع مسبقا، ففوت عليهم فرصة الحديث والصدام حال اعلان عدم استمرار الأنبا مكاريوس، مشيرا إلى إمكانية نقله خارج مصر، في أول أزمة قد تحدث.
في حادث مقتل الأنبا ابيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار، برز اسم الأنبا ارميا، الأسقف العام، ورئيس المركز الثقافي القبطي، وأحد أقوى أساقفة الكنيسة، وقيل وقتها أن النيابة أجرت معه تحقيقا في الحادث، قبل أن يخرج لينفى ذلك، مؤكدا أن هذا لم يحدث إطلاقا.
الأنبا ارميا، يطلق عليه الأسقف القوي، لما يتمتع به من نفوذ، وعلاقات داخل الكنيسة وخارجها، ساعده في ذلك المنصات الإعلامية التي يديرها، ومرارا حاول البطريرك إبعاده لكنه فشل، نظرا لقوته، وتمسكه بالمركز الكي يعتبره ارثا من البابا شنودة الثالث.
بعد نياحة الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ، برز اسم الأنبا ارميا خليفة له، وقد يستغل البابا شائعات اتهامه فى قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس، للضغط عليه للقبول بإيبارشية دمياط، وبذلك يكون نجح في إبعاده عن الكاتدرائية المرقسية في العباسية.
الأنبا انطونيوس مطران القدس والكرسي الاورشليمي، صعد مؤخراً ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن خرج في وقفة احتجاجية، في دير السلطان، لرفض اقتحام الدير بالقوة، وإجراء ترميمات هناك، مما عرض الرهبان للاعتداء والسحل.
ويبدو أن الأنبا انطونيوس لم يخبر البابا بالوقفة الاحتجاجية، رغم اخباره بالمراسلات التي تمت بين الكنيسة ووزارة الأديان الإسرائيلية، طوال الأيام الأخيرة، وتبجح دولة الاحتلال.
أزمة دير السلطان تسببت في أزمة دبلوماسية بين البلدين خاصة بعد المشاهد المصورة التي ظهرت فيها قوات الاحتلال تعتدي على الرهبان المصريين فى دير السلطان، إلا أن البعض فسر أن الأنبا انطونيوس، سعى للتصعيد آمالا في استعادة الدير المحتل من قبل الأحباش بمعاونة تل أبيب، وبالتالي يعزز موقفه لدى البابا تواضروس.
البابا تواضروس بدى غاضبا من تصعيد الأنبا انطونيوس من الأزمة، خاصة أنها سببت له حرجا كبيرا وتبين ذلك من صمت المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والبابا نفسه، رغم أنه خرج في نفس يوم الحادث خلال العظمة الأسبوعية، ليسرد فقط الأحداث دون إدانة ، أو اتخاذ موقف يعبر عن رفضه لما حدث.
مقربين من البطريركي
مقربين من البطريركية رجحوا أن يرسم البابا أسقفا معاونا، للأنبا انطونيوس، لتحييد الأخير، تكون مهمته التفاهم مع الجانب الإسرائيلي، خاصة فيما يخص ملف دير السلطان، حتى لا يحدث حرجا دبلوماسيا مرة أخرى.
نقلا عن العدد الورقي.