اعلان

أشرس من الزرقاوي و"بن لادن".. تعرف على الرجل الذي أسس "داعش".. وحقيقة علاقته بالأمريكيين والإخوان

صورة ارشيفية
كتب : سها صلاح

"إنه كبيرهم الذي علمهم الذبح"، معلومات جديدة ظهرت تكشف عن هوية الشخص الذي يُعتقد أنه المؤسس الحقيقي لتنظيم داعش، والذي قدَّم التأويلات الدينية التي أنتجت الوحشية التي تميز بها التنظيم.

تقليدياً، يتفق معظم مؤرخو تنظيم داعش على أنَّ الجماعة قد انبثقت عن تنظيم القاعدة في العراق، رداً على الغزو الأميركي عام 2003، وأنَّها تشكلت في الأساس على يد الجهادي الأردني، وآخر قادة تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي. ولكن هناك معلومات جديدة تكشف أن رجل دين عراقي كان صاحب تأثير على الزرقاوي، وأن أفكاره كانت الرافد الرئيسي لأيدلوجية التنظيم المتطرفة، ناهيك عن تأثيره على خطط وتحركات التنظيم، بحسب ما ورد في تقرير لمجلة The Atlantic الأميركية.

غالباً ما تركز الروايات حول أصول إيديولوجية لتنظيم داعش على حقيقة أن الزرقاوي وأسامة بن لادن ، كلاهما من المتطرفين السنّة ، قد تباعدوا حول فكرة محاربة الشيعة ومسائل التكفير، أو الطرد.

يمكن القول إن العمل الأساسي لداعش قد تم وضعه قبل فترة طويلة من الغزو، وإذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن طريقة عمل المجموعة، فقد كان عبد الرحمن القادولي، وهو عراقي من نينوى معروف أكثر باسمه الحركي، أبو علي الأنباري ، لا الزرقاوي. كان أنباري، الرجل الثاني في الزرقاوي في سنواته في تنظيم القاعدة ، الذي عرّف مقاربة داعش المتطرفة أكثر من أي شخص آخر،كان نفوذه أكثر انتظامًا، وأطول أمداً، وأعمق من تأثير الزرقاوي.

منذ شهر، حصلت على وثيقة مؤلفة من 93 صفحة توثق حياة أنباري، وكذلك المشهد المتطرف حوله في التسعينيات من القرن الماضي في العراق، وقد كتب ابن أنباري ، عبد الله ، سيرة للاستخدام الداخلي لداعش، التي نشرت أجزاء منها في مجلتها الأسبوعية العربية، النبأ في عام 2016، بعد وقت قصير من مقتل أنباري.

بالإضافة إلى سيرة عبد الله ، فأنا أعتمد هنا على سلسلة من المحاضرات التي قدمها أنباري في عامي 2014 و 2015، وعلى ملاحظاتي من المقابلات مع أعضاء المنظمة والمتمردين السوريين، بشكل عام أصبح من الواضح لي أن الزرقاوي تأثر على الأرجح من قبل أنباري، وليس العكس.

وولد "أنباري" في شمال العراق في عام 1959 في عائلة "توركيفيد"من أصول عربية والأرمن،كانت الأسرة متدينة، يحكي عبدالله قصة عندما أراد شاب أنباري شراء الحمام. أخبره والده أنه كان عليه أن يسأل الإمام المحلي إذا كان الحفاظ على الحمام يبدو سليما من وجهة نظر القانون الإسلامي. أخبره الإمام أنها كانت "شيطانية" ، فأسقط الفكرة.

درس أنباري الشريعة بعد أن أكمل دراسته الابتدائية ، في معهد في مدينة تلعفر شمال العراق. تخرج من جامعة بغداد عام 1982 بدرجة في الدراسات الإسلامية، بعد تخرجه ، انضم إلى الجيش العراقي، وخدم لمدة سبع سنوات، وحارب في الحرب الإيرانية العراقية، كتب ابنه: "لقد حصل على تدريب عسكري وديني ، وهو مزيج نادر".

بعد خدمة الأنباري العسكرية ، وفقا للسيرة الذاتية ، تم تكليفه بتدريس صف شريعة في بلدة صغيرة متنوعة تسمى مجامع برزان. وفي أحد الأيام ، دعا مواطن غني في البلدة الغجر - وهم مجموعة عرقية شبيهة بالغجر - إلى عرض خيمة ورمي حفلة موسيقية وموسيقى راقصة. غضب أنباري من الأخبار ؛ بدا الحزب له تدنيساً عميقاً. عرض 10 علامات إضافية لأي طالب لم يحضر ، ولكن هذا لم يكن كافيا لبيان. اعتبر أنباري قتل الجهاجر ، لكنه لم يمتلك بندقية. ثم طلب من أحد تلامذته أن يحضر له بنزين ، مع فكرة أنه سيحرق الغاغار على قيد الحياة داخل خيمتهم. في النهاية ، قام ببساطة بإلقاء خطبة ضد الغجروالاحتفال المدبر والمخطط. تحت ضغط شديد ، أرسل الراعي الأغنياء القراد بعيدا، لكن الحادثة تركت تفكير أنباري: هناك خطأ ما في حكومة قد تفكر في السماح بحدوث مثل هذا الحدث.

حسن: داعش على وشك العودة إلى سوريا

في منتصف التسعينيات، عاد أنباري إلى تلعفر، وهي مدينة مختلطة من الشيعة والسنة، تم تعيينه في مدرسة محلية في واحدة من أكبر الأحياء الشيعية في المدينة ، خضرا، وأصبح بعد ذلك إماما في مسجد مجاور، استخدم المنبر لمهاجمة الشيعة والصوفيين كطوائف منحرفة.

وبدأ يتعرف على زملائه الجهاديين

وتوضح السيرة الذاتية له أنه قد تأثر بمصادر ترويج الأفكار الجهادية، بما فيها الخطب السماعية، التي ينشرها جهاديون من أفغانستان والشيشان. إلى جانب ذلك، كوَّن الأنباري علاقات مع ثلاثة رجال أصبحوا فيما بعد جهاديين بارزين. قُتِل أحدهم على يد قوات البيشمركة الكردية في الموصل، في الأيام الأولى من حرب العراق، وأصبح الاثنان الآخران من كبار قادة داعش في العراق، التي عُرِفَت في أواخر عام 2006 حتى توسعت إلى سوريا عام 2013. وقبيل أحداث 11 سبتمبر/أيلول، زاد الدعم للجماعات الجهادية في العراق. وكان نجاح الهجمات بالطبع أحد العوامل التي ساهمت في زيادة هذا الدعم قبيل الغزو الأميركي. ولكن يعتقد أن ازدياد قوة الجماعات المتطرفة في العراق يعود إلى ما قبل بذلك بكثير.

وهذه علاقة صدام حسين بالمجموعات التي ستشكل داعش

ففي أعقاب حرب الخليج عام 1991، دشّنت حكومة صدام حسين ما سُمِيَت بالحملة الإيمانية الإسلامية، التي شجعت على أسلّمة الرأي العام، وقبل سبعة أشهر من الهجمات، حشدت الحكومة العراقية مواطنيها للتطوع للانضمام إلى جيش القدس، الذي تمثلت مهمته في طرد اليهود من المدينة المقدسة.

الرئيس العراقي الراحل صدام حسين

وقال أبو ماريا القحطاني، أحد مؤسسي تنظيم القاعدة في سوريا، لكاتب المقال «خطاب صدام حسين المناهض لأميركا باستمرار حضّ كثيرين على القتال ضد النفوذ الأميركي قبل الغزو وبعده»، حتى إنَّ القحطاني نفسه قد تدرَّب على يد نظام صدام حسين استعداداً لمهمة انتحارية محتملة في إسرائيل،وما لَبِثَت أن اجتاحت تلك الاتجاهات فكر عبدالرحمن الأنباري.

ثم قرر الأنباري إنشاء إمارة في شمالي العراق.. ولهذا السبب بدأ في استهداف الإخوان المسلمين

فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أنشأ مع مجموعة من طلابه السابقين «نواة إمارة» في شمالي العراق، كدولة إسلامية بدائية. وتدرَّب الطلاب على سفوح التلال المحيطة بتلعفر، على يد مساعد مقرب للأنباري يُدعى إياد أبو بكر، وعلاوة على الترويج للأفكار الجهادية، يبدو أن هجمات 11 سبتمبر قد أعطت زخماً للمشهد المرتبط بالحركات المتطرفة في العراق، إذ بدأ الأنباري والجهاديون على شاكلة تفكيره ينظرون إلى الإسلاميين المنافسين، مثل جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارهم أعداء، وهو موقف سيتحول بعد ذلك إلى سِمَة ملحوظة في أيديولوجية داعش.

حتى إنه وصفهم بإخوة الشيطان

واعتبر الأنباري أن تبنّي الإخوان المسلمين الأعراف السياسية ورفضها أفكار تنظيم القاعدة خيانة. وبات واضحاً أيضاً انقطاعه إلى الحديث عن الإخوان المسلمين في محاضراته الصوتية، التي أشار فيها إلى أعضائها بـ «إخوة الشيطان». ونَهَل الأنباري العلم من مجموعة جديدة من الكتب الجهادية، التي أصبحت تُتداوَل في العراق بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وفي مقدمتها تلك التي كتبها الأردني ذو الأصول الفلسطينية أبو محمد المقدسي، أستاذ الزرقاوي في السجن، وعبدالقادر بن عبدالعزيز، وهو مصري مُعتَنِق للأفكار الجهادية. وكتب ابنه أنَّ تلك المواد «صقلت مفاهيم الشيخ» و»صحَّحت عقيدته» بشأن مسائل مثل الردة وتبني قوانين من صنع الإنسان. فغدا الرجل الذي لم يسبق له أن اعتنق تفكيراً معتدلاً رافضاً للقوانين الوضعية لتنافيها تماماً مع الإسلام.

إلى أن التقى بالزرقاوي تحت مظلة البعث

ويرى كاتب التقرير أنَّ آراء الأنباري المتطرفة، التي انعكست بعد ذلك في أفعال جماعة داعش، قد تشكَّلت قبل الغزو الأميركي للعراق، وحتى قبل أن يقابل الزرقاوي. بحسب ما ورد في السيرة الذاتية التي كتبها عبدالله، قَدم الزرقاوي إلى شمالي العراق من أفغانستان في ربيع عام 2002. ثم التقى به الأنباري بعد شهر من ذلك في بغداد، حيث استضاف الزرقاوي مبعوثٌ من جماعة الجهاد الكردية «أنصار الإسلام»، وصديقٌ للأنباري. وأثناء تلك الفترة، انتقل الأنباري ذهاباً وإياباً من وسط العراق إلى شماله سعياً في تسهيل النشاطات الجهادية. «وورد في السيرة الذاتية أنَّ «الاستعدادات للجهاد كانت في طور النضوج من حيث التمويل والرجال والأسلحة. وكل ذلك كان تحت مظلة جماعة البعث».

ولكنهم بدأوا ينقلبون على صدام حسين

وشملت تلك «الاستعدادات للجهاد» التأهيل المهني للحركة الإسلامية قبيل الغزو، إذ شرعت عناصر سابقة في حركة البعث، كانت قد أعلنت «توبتها» قبل الحرب، في ضم مجندين جدد للجماعة. ودرّب أبوالمسلم التركماني، الذي كان عقيداً في جيش صدام حسين ويُعَد الرجل الثالث في تسلسل القيادة في جماعة داعش بالعراق، مجموعةً جهادية مناهضة لصدام حسين، التي انتقلت فيما بعد تحت قيادة الأنباري. وصنّع رجال التركماني والأنباري كاتمات صوت للأسلحة النارية وقنابل بدائية من أجل الزرقاوي.

وعندما غزت الولايات المتحدة العراق، كان قرارهم الانضمام للقاعدة

وعندما غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، قاد الأنباري والزرقاوي جماعات منفصلة لم تكن قد انضمت بعد إلى تنظيم القاعدة في العراق. وأقسم كلاهما يمين الولاء للقاعدة عام 2004، وعليه أصبح الأنباري نائب الزرقاوي. وهناك أدلة كثيرة على أنَّ الأنباري، وليس الزرقاوي، هو من حدَّد وتيرة خطى التطرف، ودفع بالسياسات التي شكَّلت ملامح داعش.

وبدأ عداؤه للشيعة وحتى للإسلاميين السنة الآخرين يتحول إلى حرب حقيقية

وبعد فترة وجيزة من الغزو، استهدفت جماعة الأنباري في تلعفر أي شخص اعتبرته مُضلِّلاً أو مُعرقلاً لخططها. فهاجمت جماعته الشيعة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمستنيرين المحليين، بصرف النظر عن القبيلة التي ينتمون إليها. وعلى النقيض من ذلك، استغرق الزرقاوي عاماً آخر ليعتنق ذلك التحيز الطائفي المتطرف.

ويبدو أن الزرقاوي تأثَّر به وقرَّر جعل الصراع الطائفي وسيلته للحشد

وبعدما تعهَّد الزرقاوي رسمياً بالولاء لأسامة بن لادن، وأصبح رئيس تنظيم القاعدة في العراق، كتب خطاباً إلى القيادة المركزية للقاعدة يرسم فيه خطةً لمهاجمة المدنيين الشيعة وأماكن عبادتهم. وربما أتت فكرة استهداف الشيعة من مواطنين عراقيين على شاكلة الأنباري، وربما كانت فكرة الأنباري نفسه، حسبما يرى كاتب المقال. فقبل عام 2004، وجَّه الزرقاوي أنظاره إلى الأنظمة العربية العلمانية، وتجلَّى ذلك في تفجيره السفارة الإيرانية في بغداد في صيف 2003. وفي هذا الصدد، قال ليث الخوري، الذي يرصد عن قرب تحركات الجماعة، وهو مؤسس مشارك لشركة الاستخبارات Flashpoint في مدينة نيويورك، إنَّ الزرقاوي وجد الآراء المعادية للشيعة مفيدة من أجل حشد السنة في العراق في 2005؛ مما أفضى به إلى إعلان حرب شاملة على الشيعة «أينما كانوا». وأخبرني مراد بطل الشيشاني، وهو خبير جهادي بارز ينحدر من مسقط رأس الزرقاوي، أنَّ محاكمات الزرقاوي في الأردن في منتصف التسعينيات، على خلفية تورُّطه في منظمة إسلامية سرية، لم تسفر عن أي دليل على اعتناقه لوجهات النظر المتطرفة المرتبطة بداعش بعد 2003. وأضاف الشيشاني: «لم يختلف الزرقاوي عن أقرانه الجهاديين في إيران إلا من خلال شخصيته. كان أكثر تطرفاً وكان سفاحاً وما شابه ذلك، لكنه أيديولوجياً لم يكن ذا ثقل، بل كان يتأثر فقط بما يحدث حوله في العراق».

وهكذا أصبح العراقيون يسيطرون على التنظيم

وإلى جانب ذلك، كان للأنباري دورٌ مباشر في تحويل تنظيم القاعدة في العراق من قوة يسيطر عليها قادة أجانب إلى قوة يديرها العراقيون. وتكشف السيرة الذاتية التي كتبها عبدالله أنَّ الزرقاوي أرسل الأنباري إلى باكستان أواخر عام 2005، مروراً بإيران بوثائق هوية مزيفة. وكان هدف الرحلة ليوضح لقادة القاعدة حقيقة الشائعات التي تردَّدت بأنَّ فرع الجماعة في العراق ينبذ الجهاديين التابعين للتنظيم. وتفاصيل رحلة الأنباري هي اعتراف نادر بحقيقة أنَّ إيران استُخدمت ممرَ عبور في المنطقة.

ثم ترأس مجلس شورى المجاهدين

ولدى عودة الأنباري، قدَّم خطة لدمج فرع القاعدة في العراق مع القوات المحلية الأخرى لإنشاء مجلس شورى المجاهدين في العراق، في يناير/كانون الثاني 2006. وترأس الأنباري المجلس مستخدماً اسمه الحركي الجديد، عبدالله رشيد البغدادي. وبعد عام واحد، أعادت جماعة العمليات الجهادية المحلية «التي باتت خاضعة لقيادة العراقيين فقط» هيكلة نفسها لتصبح جماعة داعش للعراق، وبعدها تضاعفت هجماتها ضد الشيعة والأميركيين كثيراً.

وبعد أن اعتقلته القوات الأميركية تم إطلاق سراحه بطريقة غريبة

وفي عام 2006، اعتقلت القوات الأميركية الأنباري في بغداد، وبعدها بشهرين قُتِلَ الزرقاوي. وبرغم أنَّ الأنباري ظل محتجزاً حتى مارس/آذار 2012، فقد ظلّ ضالعاً في الأحداث عن طريق تجنيد زملائه السجناء وغرس مبادئ الجماعة فيهم. وبعد ذلك تم إطلاق سراح الأنباري. إذ يبدو أن داعش في العراق قد رتَّبت له الخروج من السجن بمنح رشوة لمسؤولين عراقيين.

ثم دعاه أبوبكر البغدادي إلى بغداد وأوكل إليه مهمة خطيرة في سوريا

وتمثلت مهمة الأنباري الجديدة في التحقيق فيما إذا كان فرع الجماعة في سوريا، الذي كان يُعرف آنذاك باسم جبهة النصرة، لا يزال مخلصاً للبغدادي أم لا. فوجد الأنباري أنَّ أبومحمد الجولاني، زعيم الفرع السوري للجماعة «شخص ماكر ومنافق»، وفقاً لإحدى روايات داعش المنشورة، لذا تآمر الأنباري والبغدادي ضده. فكوَّن الاثنان علاقات مستقلة مع أعضاء رئيسيين في جبهة النصرة، ثم أعلن البغدادي من جانبه فقط دمج فرعي الجماعة. ومع أنَّ هذا الدمج لم يدم، فقد تحول كثيرٌ من قادة جبهة النصرة إلى جماعة البغدادي، ليصبحوا لاحقاً جزءاً من داعش.

البغدادي زعيم داعش الخلافة كلف الأتباري بمهام حساسة/رويترز

وكان الأنباري مُكلَّفاً أيضاً بالتواصل مع القاعدة، تحت الاسم الحركي أبوصهيب العراقي، لتسوية الاقتتال الداخلي بين صفوف الجهاديين. لكن فشلت جهود المصالحة، وما لبث تنظيم القاعدة أن تبرَّأ من داعش، في فبراير/شباط 2014. من جانبهم، كان المعارضون السوريون يعتبرون الأنباري ممثلاً لداعش؛ إذ كان هو من يلتقى بهم ويتفاوض معهم منذ أواخر عام 2012 حتى صيف عام 2014.

وعقب استيلاء داعش على الموصل، وجَّه الأنباري اهتمامه بأكمله إلى صَقل أيديولوجية المنظمة. وبالفعل، أصبح هو مروج أيديولوجية التنظيم الرئيسي، وأهّلته مكانته لتدريب كبار رجال الدين، وإصدار الفتاوى في قضايا رئيسية تؤثر على الخلافة، وإرشاد الأعضاء لصياغة نصوص دينية. وبإشراف منه، حُكِم على طيار أردني بالموت حرقاً، ليحقق بطريقة أبشع رغبته حين كان شاباً بحرق الغجر الذين قَدِموا إلى مجمع برزان. وذُبِح الإيزيديون الذين كانوا على اتصال بالمجموعة أو أُسِروا، وذُبِحَت كذلك قبيلتان في سوريا والعراق للتحذير ضد التمرد، وذلك في أعقاب سيطرة الجماعة على ثلث العراق ونحو نصف الأراضي السورية. ووصف الأنباري المعارضين المعتدلين السوريين بأنَّهم مرتدون عام 2013، وألّف فتوى مفصلة ضدهم.

حتى في نهايته كان دموياً مع نفسه

وفي وقت لاحق، عَيَّن البغدادي الأنباري المسؤول المالي في المجموعة، وهي وظيفة انطوت على إجراء رحلات مستمرة بين العراق وسوريا. وفي مارس/آذار 2016، وفي إحدى تلك الرحلات المتكررة، قُتِلَ الأنباري بالقرب من مدينة الشدادي السورية، على طول الحدود مع العراق. ووفقاً للسيرة الذاتية، شنَّ الجنود الأميركيون غارةً في محاولة لقتله، لكنَّه فجَّر نفسه بحزام انتحاري، عمّرالأنباري لعشر سنوات بعد الزرقاوي، وفاق نفوذه ما وصل إليه الزرقاوي.

لماذا لم يلتفت أحد من قبل إلى دوره في بناء تنظيم داعش؟

ربما تجاهل الباحثون مساهمات الأنباري لأنه كان مراوغاً، حسب كاتب التقرير حسان حسان. فعلى سبيل المثال، كان لديه ما يزيد على عشرة أسماء حركية. ولسنوات عديدة ظنَّت الولايات المتحدة أنهما شخصان مختلفان على الأقل. ولم يكن لدى المسؤولين سوى صورتين مختلفتين له. وعندما أُلقي القبض عليه لفترة وجيزة في الموصل عام 2005، لم يعرف معتقلوه هويته الحقيقية، لأنه استخدم وثائق هوية مزورة. وفي المرة الثانية التي ألقي القبض فيها عليه، عام 2006، تمكنوا من التعرف عليه باعتباره رجل دين محلياً إرهابياً من تلعفر، وليس قائد مجلس شورى المجاهدين الذي يهيمن عليه تنظيم القاعدة.

ولهذا السبب فإن الباحثين متأكدون أن التحول من القاعدة لداعش لم يكن فكرة الزرقاوي

إذا كان الزرقاوي قد قاد جماعة جهادية تطورت بعد ذلك إلى داعش العراق، ثم أصبحت تنظيم داعش الرسمي، لكان القول بأنَّ داعش كانت من بنات أفكار الزرقاوي يعد سرداً منقوصاً لتاريخ التنظيم. إذ يتفق الخبراء الذين تابعوا عن قرب نشاط الزرقاوي المبكر على أنَّه لم يكن يعتنق أية أفكار طائفية قبل وصوله للعراق، وأنَّ أفكاره قبل ذلك لم تكن بعيدة عن وجهات النظر العالمية الجهادية السائدة (التي لم تركز على العداء للشيعة بل للأميركيين).

كما أن هؤلاء المنظرين العراقيين الثلاثة شكلوا نهجه

ودَرَس هشام الهاشمي، وهو مؤرخ عراقي للجماعات الجهادية ومستشار للحكومة العراقية بشأن داعش، حركات التمرد ضد الولايات المتحدة مباشرةً منذ بدايتها. وقد أشار إلى ثلاثة مُنظّرين عراقيين، شكَّلوا تفكير الزرقاوي ونهجه بشكل مباشر. ويتشابه ثلاثتهم مع الأنباري فيما يتعلق بحصولهم على تدريب ديني وأنهم جميعاً كانوا مطلوبين لدى النظام العراقي السابق لأفكارهم ونشاطاتهم المتطرفة؛ وهم: أبو عبدالرحمن العراقي مساعد سابق للزرقاوي وقابع حالياً في السجون. ونظام الدين رفاعي الذي سُجِنَ عدة مرات ابتداءً من عام 1978 لتورطه في حركة الموحدين السلفيين والمحتجز حالياً في السجن. وعبدالله عبدالصمد المفتي المطلوب منذ عام 1991 ومُنظّر سلفي بارز في العراق.

فأفكارهم كانت متطرفة لدرجة أن القاعدة رفضتها

فرجال الدين الجهاديين العراقيين هؤلاء قدموا أفكاراً رفضتها القاعدة في النهاية، في حين اعتنقتها داعش، وانطوت على الطائفية المتطرفة ومفهوم إقامة دولة إسلامية، حسب الهاشمي وأوضح: «وضع رجال الدين هؤلاء مدرسة كاملة لعلوم الفقه والمنهجية، فضلاً عن النصوص الدينية التأسيسية. ولم يكن الزرقاوي سوى مجرد قائد يطبّق نهجهم، وهذا هو السبب في أنَّ منهجه حاد عن المقدسي (يعتبر أستاذه الأول) وبن لادن بعد اختلاطه بأهل العراق».

وما يميز الأنباري عن رجال الدين الثلاثة أنه بالإضافة إلى تشبثه بآراء طائفية متطرفة قبل عقد على الأقل من ظهور الزرقاوي، أنه اضطلع بدورٍ تنظيمي رفيع المستوى داخل تنظيم القاعدة في العراق وبعدها في داعش. وتُعَد مدة خدمته في الجماعة الأطول من بين رجال الدين كافة وكان أعلاهم شأناً داخل التنظيم منذ بداية إنشائه إلى حين وفاته. وإجمالاً، يُبَرهن الاعتراف بالدور المركزي الذي ضلع فيه الأنباري في تشكيل داعش، والأحداث التي أدت لظهور قادة مثله قبل غزو عام 2003، أنَّ الجماعة لم تكن مجرد تشكيل ابتدعه جهادي أردني ماكر، إذ يبدو أن الزرقاوي نزل إلى بلدٍ تحددت فيه بالفعل الملامح الأيديولوجية لمجموعة قُدر له أن يتولى قيادتها يوماً ما. وقد تأثر بالبيئة الموجودة وبالمُنظّرين الأصليين الذين شكَّلوا تلك الملامح على مرأى منه. فقصة المؤسس الحقيقي لتنظيم داعش عبدالرحمن الأنباري تفسر سر نجاح التنظيم في السيطرة على العراق. فنظراً لأن داعش تطوَّرت في العراق دون مؤثرات خارجية قبل عِقد واحد على الأقل من الغزو الأميركي وقبل وصول الزرقاوي، فهذا يساعد في تفسير قدرتها على النهوض، ومن ثم السيطرة على دولة متنوعة من الناحية الديموغرافية مثل العراق. فالجماعة لديها جذور متأصلة في العراق أعمق بكثير مما عُرِف عنها سابقاً.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً