اعلان

"مستشفياتك يا مصر".. حكايات المعذبين داخل "الدمرداش".. المرضى يفترشون الطرقات.. ويصرخون من شدة الألم.. والأطباء "غير متواجدين" (فيديو)

معاناة المرضى فى مستشفي الدمرداش

لا شيء أثقل على كاهل الفقراء من المرض، ذلك الوحش الكاسر الذي تخور أمامه قواهم، ويشعرون بالقهر وهم يقفون مكتوفي الأيدي غير قادرين على مواجهته بالذهاب إلى عيادات الأطباء أو حتى المستشفيات الخاصة، بسبب ضيق ذات اليد، ولهذا حين يُصاب هؤلاء الكادحين بأي مرض يهرولون إلى المستشفيات الحكومية أملًا في أن يجدوا من يحنو عليهم، ويخفف عنهم الآلامهم.

وداخل المستشفيات الحكومية، يوجد الكثير من القصور، وبخاصة في الجانب المتعلق بالمعاملة غير الآدمية التي يُقابل بها الكثير من المرضى، إضافة إلى جوانب الإهمال المتفشية في عدد من مستشفيات القاهرة، وغياب الرعاية الصحية، وعدم الاهتمام الطبي بالمرضى من الفقراء ومحدودي الدخل، ومن أجل تسليط الضوء على هذه الجوانب السيئة أطلقت "أهل مصر" حملة "مستشفياتك يا مصر"، والتي نبدأها من داخل مستشفى الدمرداش بالعباسية.

للمزيد: "مستشفياتك يا مصر".. حملة "أهل مصر" لكشف فساد المستشفيات

سوق بدون حراس

بدأت رحلة محرر "أهل مصر"، بعبور البوابة الرئيسية للمستشفى دون أن يسأله أحد من أفراد الأمن عن سبب حضوره أو الوجهة التي يولي إليها؛ كان الدخول إلى المستشفى أمرًا ميسيرًا جدًا وكأنها سوق يدلف إليه من يشاء في أي وقت.

عقب عبور البوابة الرئيسية كان المشهد مأساوي، عشرات من المرضى - أطفالًا وفتيات وشباب ومسنين - يفترشون جنبات الباحة الخارجية للمستشفى، فهذا يتأوه من شدة الألم، وذاك يُسند رأسه على يده من شدة الفقر والمرض، وغيرهما أصبح من شدة الإهمال لا يبالي بأي شيء، ولم يعد لديه قدرة على "مناهدة" طاقم التمريض.

شاهد.. المرضى يفترشون الطرقات الخارجية بمستشفى الدمرداش

لفت انتباهنا ذلك المسن الذي يبدو من ملامحه أنه تجاوز الخمسين عامًا؛ دخل الرجل المستشفى وهو محمولًا على كتف نجله، وبدا أنه يعاني إعياء شديد، ويتأوه بشدة أكثر، وصرخات استنجاده بالأطباء كانت مسموعة من خارج المستشفى؛ لاذ الشاب بإحدى الممرضات، وبعد دقائق مرت على المريض كأنها سنوات أجابت عليهم الممرضة، قائلةً: "الدكاترة خرجوا عشان يفطروا، ومش هيرجعوا دلوقتي".

كان الجواب مستفزًا للحد الذي جعل الشاب ينفجر غضبًا، وأصبح وهو يرى والده مشرفًا على الموت دون أن ينقذه أحد كالمجنون، وحين علا صوته، حضر أفراد الأمن المسئولين عن تأمين المستشفى، موجهين حديثهم إليه دون مبالاة: "روح نيم والدك في أي حتة بره، لحد ما الدكاترة يرجعوا"، وبالفعل وبعد معاناة استجاب الشاب وأخذ والده وافترش به بالخارج.

شاهد.. شاب يستنجد بأطباء مستشفى الدمرداش لإنقاذ والده.. والممرضات: "بيفطروا"

استغاثات دون مجيب

على مقربة من مأساة ذلك المسن الذي لم يجد من يحنو عليه، كانت هناك مأساة أخرى؛ إحدى السيدات وقفت تستغيث بالمواطنين لإنقاذ طفلها المحجوز داخل المستشفى، كان صوت استغاثاتها مسموعًا للجميع، خاصة حين تصرخ: "ابني بيموت، ومش عايزني ادخل أشوفه، وبيقولولي ابنك خرج ومش عارفين راح فين؟"، ظلت السيدة تصرخ كثيرًا دون مجيب.

شاهد.. سيدة تستغيث بالمواطنين لإنقاذ طفلها من أيدي أطباء مستشفى الدمرداش

داخل قسم المسالك البولية، الذي دخلناه وغيره من باقي الأقسام دون أن يسألنا أحد أين نذهب؟ وجدنا مريض مسن يدعى "محمد"، كان الرجل يصرخ في وجه الجميع، قائلًا: "عايز وزير الصحة، أنا مش همشي من هنا.. أنا بموت، العملية طلعت بايظة"، كان الرجل يستغيث ويتأمل بشدة، وحاول الجميع تهدئته دون جدوى، الغريب في الأمر، أن الأطباء كانوا غير عابئين باستغاثات هذا المريض، وطلبوا منه أن يخرج ويجري تحليلًا بإحدى المعامل الخاصة.

شاهد.. مريض يستغيث بوزيرة الصحة لإنقاذه من الموت على أيدي أطباء مستشفى الدمرداش

خارج عيادة المسالك البولية، وقفت زوجة الرجل، تروي قصته على مسامع الحاضرين، مؤكدة أن زوجها يخضع لجلسات "غسيل كلوي"، وأنه جاء إلى مستشفى الدمرداش لإجراء عملية جراحية في المسالك في البولية، عقب أن خرج من المستشفى شعر بألم شديد فذهب إلى طبيب آخر فأخبره أن الجراحة التي أجريت له "فاشلة"، وكتب له تقارير رسمية تثبت فشل العملية، وعاد مرة أخرى للمستشفى فلم يلتفتوا إليه أكثر من مرة.

وأضافت الزوجة، أن الالم بلغ بزوجها حد الذروة، وحين حضر إلى المستشفى هذه المرة تشاجر مع الأطباء، الذين طلبوا منه إجراء فحوصات وأشعة طبية باهظة الثمن، وحين أخبرهم أنه لا يملك ثمنها، لم يلتفتوا إليه.

شاهد.. سيدة تروي معاناة زوجها بسبب إهمال أطباء الدمرداش

لم يختلف الأمر كثيرًا داخل قسم العظام؛ فالإهمال يخيم على القسم بأكمله، المرضى متراصين بالعشرات في الممر المواجه للقسم، وهناك من يستغيث من شدة الألم، والأطباء لا يعبأون بأحد.

أما في قسم الأطفال، فكان الأمر مختلفًا؛ الطبيب متواجد داخل القسم، ولكنه لا يجيب على المرضى سوى بكلمة واحدة: "تعالوا بعد 5 دقائق"، وقد ظللنا في هذا القسم لأكثر من نصف ساعة، دون أن تنتهي الخمس دقائق التي ضربها هذا الطبيب، وحتى تلك الطفلة التي تصرخ من شدة الألم، حين استنجدت والدتها بنفس الطبيب، قال لها: "قلت تعالوا بعد 5 دقائق".

مشهد عشوائي

المشهد داخل المستشفى كان عشوائيًا لأبعد الحدود، المرضى يتزاحمون بالعشرات انتظارًا للأطباء الذين إما غير متواجدين، أو أنهم يرفضون إجراء الكشف الطبي على المرضى تحت مزاعم "استنوا شوية".

شاهد.. عشرات المرضى يتزاحمون بالساعات انتظارًا لوصول أطباء مستشفى الدمرداش

شاهدنا الكثير من المشادات الكلامية التي نشبت بين المرضى وذويهم القادمين معهم، وللحقيقة كان رجال الأمن المسئولين عن تأمين المستشفى متواجدين وبكثافة، ولكن تواجدهم كان ضد المرضى وليس في صالحهم.

شاهد.. مشادات بين المرضى ورجال الأمن بمستشفى الدمرداش

لم يكن حال النظافة في المستشفى ببعيد عن ذلك الإهمال المتفشي في كل القطاعات والأقسام، ومنذ الوهلة الأولى لدخولك تستطيع أن تلمس مدى تردي هذا المستوى، إضافة إلى أن الصيدلية المخصصة لصرف العلاج بالمجان إما فارغة أو لا يوجد بها سوى صنف واحد من الأدوية، ويُطلب من المريض شراء الباقي على نفقته الخاصة من الخارج، وعلى المتضرر عدم المجيء إلى المستشفى مرة أخرى.

كذلك قسم التحاليل والأشعة والفحوصات شبه معطل، وفي الغالب الأعم يُطلب من المرضى الذهاب إلى معامل التحاليل ومراكز الأشعة الخاصة لإجراء ما يطالبون به.

شاهد.. خناقة بين سيدة وأطباء مستشفى الدمرداش

الوضع المأساوي والإهمال المتفشي في جنبات مستشفى الدمرداش يحتاج إلى وقفة حاسمة من الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، وجميع قيادات ومسؤولي الوزارة، و"أهل مصر" تُهدي هذا التحقيق الميداني إلى جميع المسئولين من أجل التحرك لإنقاذ حياة عشرات الآلاف من المرضى البسطاء الذين اضطرتهم الحاجة وضيق ذات اليد إلى طرق أبواب المستشفيات الحكومية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً