تداولت تقارير إعلامية في الأيام القليلة الماضية، أنباء عن استحواذ الصين على مطار عنتيبي الدولي في أوغندا، بعد فشل الأخيرة في الوفاء بديونها، الأمر الذي يدعم مزاعم غربية بأن بكين تستخدم المساعدات المالية للهيمنة على مقدرات الدول الفقيرة.
ما صحة هذا الادعاء؟
يميل الكثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين الغربيين – وحتى بعض المسؤولين يلمحون إلى ذات الأمر – إلى التحذير من سياسة يسمونها بـ'فخ الديون الصينية'.
ويؤمن هؤلاء بأن الصين تتعمد إقراض الأموال لبعض الدول الفقيرة والمتعثرة أو تلك التي تبحث عن فرص للتنمية للسريعة، مع شروط مجحفة تمكنها من السيطرة على أصول الحكومة حال فشلت في سداد الديون.
في الحقيقة لا تقدم الصين الأموال فقط، وأحيانا تمد الدول بالخبرات التنفيذية والإدارية لضمان إتمام وتشغيل المشروعات على الوجه الأفضل، في النهاية يحدث ذلك وفقا لشروط واضحة تم التفاوض والموافقة عليها من قبل الطرفين.
وبطبيعة الحال يضع كل جانب الشروط التي تتوافق مع إمكانياته وأبعاد المشروع، بما يضمن مصالح شعبه، ومن المنطقي في بعض الأوقات أن تكون هناك حلول بديلة عند الفشل في سداد الالتزامات أو إدارة المشاريع، لكن هل وصل الأمر فعلا بالصين للسيطرة على المطار الدولي الوحيد في البلد الأفريقي؟
ماذا حدث؟
في البداية، قالت تقارير إخبارية في نهاية الأسبوع الماضي، إن أوغندا خسرت مطارها الدولي الوحيد، مطار عنتيبي الدولي، لصالح الصين بعد فشلها في سداد قرض.
ونقلت صحيفة 'إنديا توداي' عن وسائل إعلام سمتها بـ'الأفريقية' أن الحكومة الأوغندية فشلت في التراجع عن اتفاقية قرض مع الصين كانت تتضمن شروط سداد متعلقة بمطارها الوحيد.
في عام 2015، أقرض بنك التصدير والاستيراد الصيني أوغندا 207 مليون دولار بسعر فائدة 2% (وهي فائدة متواضعة نسبيا)، مع فترة استحقاق تبلغ 20 عاما تشمل مدة سماح أجلها 7 سنوات، ما يعني أن أوغندا لن تكون مطالبة بسداد أي شيء خلال السنوات السبع.
القرض كان مخصصا لتوسيع مطار عنتيبي، وتنازلت الحكومة الأوغندية عن بند الحصانة الدولية لضمان الحصول على القرض، ما يمكن المقرض الصيني من حيازة المطار دون اللجوء للتحكيم دولي، وفقا للتقارير.
وأخيرا، اعتذر وزير المالية الأوغندي ماتيا كاسايجا للبرلمان عن 'سوء إدارة' القرض. فيما زار وفد من المسؤولين الأوغنديين الصين في وقت سابق، في محاولة لإعادة التفاوض على بنود اتفاقية القرض.
وأشارت التقارير المتداولة إلى أن الزيارة فشلت في مرادها، حيث رفضت السلطات الصينية السماح بأي تعديل في الشروط الأصلية للاتفاق.
ووفقا لهيئة الطيران المدني الأوغندية، فإن بعض أحكام الاتفاقية جعلت مطار عنتيبي الدولي وأصول حكومية أخرى ضمن آليات الوفاء بالدين، ما يعني أنها عرضة للاستحواذ عليها من قبل المقرضين الصينيين بعد التحكيم في بكين.
ما دقة هذه الرواية؟
بخلاف بعض الغموض الذي يحيط بهذه الرواية، سارعت السلطات الأوغندية إلى نفي التقارير عن احتمال تسليم المطار الدولي للصين، والتي كانت صحيفة 'دايلي مونيتور' أول ما تحدث عنها.
بالأساس، ادعى التقرير المنشور بالصحيفة أن تخلف أوغندا عن سداد الديون في موعدها سيؤدي إلى استحواذ البنك الصيني على المطار، والكلام كان بصيغة المستقبل ولم يقل أن الأمر حدث بالفعل أو حتى مؤكد الحدوث في القريب.
ووفقا لصحيفة 'أفريكان نيوز' التي تتخذ من ليون الفرنسية مقرا لها وتهتم بالشأن الأفريقي، نفى المسؤولون الحكوميون والسفارة الصينية في أوغندا صحة هذه المزاعم.
نفى المتحدث باسم هيئة تنظيم الطيران الأوغندية والمدير العام الصيني للشؤون الأفريقية في تصريحات منفصلة أن يكون المقرض الصيني قد استولى على المطار، حسبما نقلت وكالة 'بلومبيرج'.
بالنظر إلى أن الاتفاق وقع في عام 2015، مع فترة سماح مدتها 7 سنوات، فهذا يعني أن أوغندا ستظل غير مطالبة بالسداد حتى العام القادم، وبالتالي من غير المعقول تطبيق أي أحكام جزائية عليها في الوقت الراهن.
من الممكن بطبيعة الحال أن تتفاوض بشأن بدء السداد في العام القادم إذا كانت تشعر أنها لن تستطيع الوفاء بالدين في موعده.
تقول 'أفريكان نيوز' إن نسبة التقدم في أعمال التوسعة وسصلت إلى 75.2% وتم الانتهاء من تدشين مدرجين بالفعل. يسافر أكثر من 1.9 مليون شخص عبر مطار عنتيبي الدولي سنويا، وهذا يجعله مشروعا حيويا للغاية.
هل تفي أوغندا بالتزاماتها؟
صحيفة 'المونيتور' نقلت عن مصادر مطلعة قولها، إن أوغندا تسعى إلى تعديل الاتفاق الخاص بالقرض، لضمان ألا تفقد الحكومة السيطرة على المطار الدولي الوحيد في البلاد.
ومن بين البنود التي تريد الحكومة تغييرها، حاجة هيئة الطيران المدني الأوغندية للحصول على موافقة من المقرض الصيني لميزانيتها وخططها الإستراتيجية.
من غير المعروف حتى الآن، ما إذا كان هناك اتفاقا جديدا بين الحكومتين، والأهم أنه من غير المعروف إلى الآن ما إذا كانت أوغندا ستتخلف بالفعل عن سداد ديونها للبنك الصيني في العام المقبل.
فقط إذا حدث وتخلفت أوغندا عن سداد ديونها، يمكن النظر في رد الفعل الصيني، وما إذا كان المصرف سيطلب تطبيق الشروط الجزائية في الاتفاق الأصلي أم سيكون هناك اتفاقا جديدا أو ربما حتى إطالة فترة السماح أو الاكتفاء فقط بغرامة مالية- فالبدائل كثيرة ولا شيء مؤكد إلى الآن.
مخاوف الغرب من الصين
تأتي هذه الأنباء وسط مخاوف غربية من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية، وغيرها من مشاريع التعاون الثنائي بين بكين ودول مختلفة حول العالم، والتي يرى الغرب فيها تعزيزا لنفوذ ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
في وقت سابق من هذا العام، حذر وزير الخارجية الأمريكى أنتوني بلينكن، دول أفريقيا من الدور المتزايد للصين، وتعهد بالتزام أكبر للولايات المتحدة.
وقال في اجتماع افتراضي مع مسؤولين أفارقة: 'نحن لا نطلب من أي شخص الاختيار بين الولايات المتحدة أو الصين، لكنني أشجعك على طرح الأسئلة الصعبة، والبحث تحت السطح، والمطالبة بالشفافية واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ما هو الأفضل لك ولبلدانك'.
وأشار بلينكن إلى وجود مخاوف من أن عددا من الدول أثقل بالديون غير المستدامة بعد الاقتراض من الصين، مع تخلف زامبيا العام الماضي عن السداد.