"مكره أخاك لا بطل".. على هذا النهج غادر منتصف الأحد الاثنين، رئيس وزراء باكستان، عمران خان، منصبه، فلم يشكل نجم الكريكيت السابق، البالغ من العمر 69 عاماً استثناء، في بلد لم يعتد أي رئيس حكومة فيه على إكمال ولايته.
إلا أن الفارق أتى هذه المرة بأن خان أقيل بحجب الثقة عنه داخل البرلمان وليس بانقلاب عسكري.
فما الذي أطاح بهذا الرجل الذي لا يزال على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه من قبل المعارضة، يحظى بشعبية لدى شرائح واسعة من الشعب الباكستاني؟
تواطؤ مع واشنطن
لا شك أن الوقائع والمعطيات على الأرض، تشي بأن نجم الكريكيت السابق، أضحى منذ وصوله إلى السلطة عام 2018، ذا خطاب أكثر معاداة أو انتقادا لأميركا.
فقد انتقد أكثر من مرة السياسة الأميركية في العراق وأفغانستان.
فيما بدا أقل "عدائية" وانتقاداً في وجه حركة طالبان التي استولت على الحكم في أفغانستان بأغسطس الماضي، إثر انسحاب القوات الأميركية بعد ما قارب الـ 20 عاما.
إلى ذلك، أعرب مرارا عن رغبته في الاقتراب أكثر من الصين.
زادت الطين بلة
لكن يبدو أن زيارته إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عشية انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يوم 24 فبراير زادت الطين بلة، بحسب ما ألمحت تقارير أجنبية عدة.
وكان الرجل الذي قاد فريق الكريكيت الوطني قبل 20 سنة، إلى فوزه الوحيد بلقب كأس العالم في 1992، اتهم واشنطن صراحة بالسعي إلى الإطاحة به، بعد زيارته موسكو.
رغم كل ذلك، لا تقتصر أسباب رحيله على ذلك، فالرجل الذي فاز عام 2018 بالسلطة، عبر إطلاقه شعارات شعبوية تجمع بين وعود الإصلاح الاجتماعي والمحافظة الدينية ومكافحة الفساد، ورث وضعا اقتصاديا مثقلا بالمشاكل.
فاقمته جائحة كورونا بطبيعة الحال، على الرغم من أنه اختار خلال السنتين الماضيتين عدم فرض إغلاق وطني من شأنه "تجويع الناس حتى الموت"، وهو قرار لقي شعبية وأثبت نجاحه.
فقد ظل الباكستانيون البالغ عددهم 220 مليون نسمة معظمهم من الشباب، بمنأى عن الوباء إلى حد بعيد (30 ألف وفاة).
خيارات خان الرديئة
لكن الوضع المالي المتأزم أصلا، والذي فاقمته خيارات خان الرديئة والوضع الاقتصادي المتدهور، أدى إلى تراجع شعبيته في الأشهر الأخيرة ودفع حلفاء له في الائتلاف الحاكم للانضمام للمعارضة لمحاولة إطاحته من المنصب، بحسب ما نقلت فرانس برس.
إلى ذلك، بقي الجيش الذي يمتع بسلطة في المشهد السياسي رغم تأكيده أنه لا يتدخل بالشؤون السياسية، إلى حد كبير نائيا بنفسه، عن التدخل لصالح رئيس الحكومة المقال.
ولعل ما صعب مهمة إكمال ولايته التي لم تتخطَّ الثلاثة أشهر والنصف، أيضا تدهور الوضع الأمني، لاسيما منذ تولي حركة طالبان السلطة في أفغانستان المجاورة.
ففيما فُسرت عودة الحركة المتشددة إلى السلطة في البداية على أنها انتصار لباكستان التي طالما اتُهمت بدعمها، ولرئيس وزرائها الذي أطلِق عليه لقب "طالبان خان" لأنه لم يتوقف عن الدعوة إلى الحوار معها وتقويض الاستراتيجية الأميركية، استُؤنفت بقوة في أغسطس، وبعد سنوات من الهدوء النسبي، هجمات طالبان باكستان والفرع الإقليمي لتنظيم داعش وجماعات انفصالية بلوشية، رغم تعهد كابل بعدم السماح باستخدام أراضيها لهذه الأغراض.
وسط كل ذلك، لم تحقق جهود عمران خان الرامية إلى تحويل البلاد إلى فاعل إقليمي رئيسي نجاحا كبيرا أيضا. فقد تراجعت علاقات إسلام آباد مع واشنطن والدول الأوروبية، لاسيما تحت تأثير خطاباته اللاذعة ضد السياسات الأميركية والأوروبية.