تتحول الساحة الإعلانية في مصر خلال شهر رمضان المبارك إلى ميدان تنافسي مثير، حيث تتسابق الشركات، وخاصة بقطاع الاتصالات، لخطف الأضواء وقلوب الجماهير.
لكن هذا العام، يبدو أن القواعد تتجاوز أعماق التسويق الاجتماعي الحضاري، أو كما يُطلق عليه 'Societal Marketing'.
فما هو هذا النوع من التسويق؟ ولماذا يشهد طفرة مذهلة خلال رمضان؟
التسويق الاجتماعي الحضاري: فن مخاطبة العقل الباطن
كشف خبير التسويق الرقمي محمود إبراهيم، في تصريحات لـ'أهل مصر'، أن الإعلانات التي تعتمد على مفهوم التسويق الاجتماعي الحضاري تشهد ارتفاعًا مذهلاً في عمليات البحث خلال رمضان بنسبة تصل إلى 200%. لكن ما الذي يميز هذا النوع من الإعلانات؟ ببساطة، هو استراتيجية ذكية تركز على بناء علاقة طويلة الأمد مع المجتمع، بدلاً من الاكتفاء بإغراء المستهلك بشراء منتج معين. الشركات هنا لا تبيع سلعة فقط، بل تبيع فكرة، شعورًا، ورؤية تتماشى مع قيم المجتمع وتطلعاته.
محمود إبراهيم يشرح ذلك بمثال واقعي: تخيلوا إعلانًا لشركة اتصالات تعتمد على شعار مثل 'مع بعض أقوى'. هنا، لا يتم التركيز على سرعة الإنترنت أو سعر الباقة، بل على إحساس التضامن والقوة الجماعية. الهدف؟ ربط العلامة التجارية بمشاعر إيجابية تترسخ في ذهن المشاهد، حتى يصبح مجرد سماع اسم الشركة كفيلاً باستدعاء تلك المشاعر. إنه استثمار عاطفي بعيد المدى، وليس مجرد حملة موسمية.
لماذا رمضان؟ تجربة مضمونة النجاح
رمضان ليس مجرد شهر ديني في مصر، بل ظاهرة اجتماعية واقتصادية تجذب أنظار الجميع. الشركات تعرف ذلك جيدًا، ولهذا تستثمر ملايين الجنيهات في حملات إعلانية ضخمة. لكن هل هي مجازفة؟ بالطبع لا، يقول إبراهيم. هذه الاستراتيجية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تجارب متكررة أثبتت نجاحها مئات المرات. الإعلانات الرمضانية تتحول إلى حدث ينتظره الجمهور، مثل مسلسل درامي مشوق، وهذا ما يجعلها فرصة ذهبية للشركات لتعزيز صورتها العامة.
ورغم انتقادات رواد مواقع التواصل الاجتماعي لإعلانات رمضان 2023، التي وصفوها بـ'المتشابهة' و'فاقدة التركيز على المنتج'، يدافع إبراهيم عن هذا النهج قائلاً: 'هذه الإعلانات ليست مصممة للبيع المباشر، بل لزرع بذرة في العقل الباطن.' الشركات لا تريد منك أن تشتري الآن فقط، بل أن تظل مخلصًا لها إلى الأبد.
عدد مشتركي سوق الاتصالات المصري في 2024
بحسب تقرير وزارة الاتصالات، بلغ عدد مشتركي خطوط المحمول في مصر 112.89 مليون مشترك بنهاية أكتوبر 2024، بزيادة 6.75% عن العام السابق. نسبة انتشار الهاتف المحمول وصلت إلى 103.62%، بينما قفز عدد مستخدمي إنترنت المحمول إلى 83.6 مليون مستخدم بنمو سنوي 10.4%.
هذه الأرقام تعكس سوقًا ضخمًا ومتعطشًا للخدمات، مما يجعل المنافسة بين شركات الاتصالات الأربعة (فودافون، أورنج، وي، وإيه آند) أشبه بلعبة 'القط والفأر'.
رمضان 2025
وفقًا لتقرير AIM Ramadan Media Tracker (الإصدار الخامس)، فإن الإعلانات الأكثر ترقبًا لرمضان 2025 ستكون من نصيب:
فودافون: 77%
بنك مصر: 61%
أورنج: 59%
مستشفى 57357: 51%
إيه آند: 50%
اللافت أن شركات الاتصالات تهيمن على القائمة، مع تركيز واضح على العلامات التجارية التي تجمع بين الخدمة والرسالة الاجتماعية. لكن ما الذي يجعل إعلانًا يعلق في الأذهان؟ التقرير يجيب: الأغنية تأتي في الصدارة بنسبة 55%، تليها الرسالة الإعلانية (45%)، ثم الفكرة (44%). بمعنى آخر، إذا كنت تريد إعلانًا ناجحًا، اجعل أغنيته لا تغادر أذهان المشاهدين.
انتقادات الجمهور: بين الهجوم والدفاع
لكن ليست كل الأمور تسير على ما يرام. تعرضت شركات الاتصالات مؤخرًا لهجوم لاذع على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب إنفاقها الملايين على إعلانات باهظة تضم نجوم الفن والرياضة، بينما يشتكي العملاء من جودة الخدمات. 'لماذا تنفقون الملايين على الدعاية بدلاً من تطوير الشبكات؟'، هكذا يتساءل الجمهور. لكن مسؤولي الشركات لهم رأي آخر.
في تصريحات لـ'أهل مصر'، أكدت مصادر من شركات الاتصالات أن ميزانيات الإعلانات منفصلة تمامًا عن ميزانيات تطوير الخدمات. 'نحن لا نضحي بجودة الشبكة من أجل إعلان، بل نستثمر في كل المجالات لنواكب احتياجات العملاء'، يقولون.
أضافت المصادر أن الحملات الإعلانية ليست ترفًا، بل ضرورة لتعريف الجمهور بأحدث العروض والخدمات، مثل تطبيقات الجيل الرابع التي أطلقت مؤخرًا.
التحول إلى الاستثمار في الإعلانات
وقال تامر الفقي خبير التسويق الرقمي يبدو أن أن الشركات تعمل على الاستثمار في الإعلانات بشكل عام من خلال استغلال التسويق في عصر التواصل الاجتماعي في ظل ارتفاع تكاليف الإعلانات التقليدية، بدأت الشركات تبحث عن بدائل أقل تكلفة وأكثر فاعلية، مثل منصات التواصل الاجتماعي.
وأكد الفقي لأهل مصر أن منصات التواصل الاجتماعي يوتيوب، فيسبوك، و إنستجرام أصبحت ساحات جديدة لاستهداف الجماهير المتنوعة.مشيرا إلى أن هذه الخطوة ليست فقط اقتصادية، بل تتيح للشركات مخاطبة شرائح جديدة لم تكن في الحسبان من قبل، مما يعزز سيطرتها على السوق.
شكاوى العملاء: أرقام تكشف الحقيقة
ورغم هذا الدفاع، فإن تقرير منظومة متابعة شكاوى مستخدمي الاتصالات لعام 2024 يرسم صورة مختلفة. تلقى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات 299,776 شكوى، منها:
130,041 شكوى من خدمات المحمول
87,480 شكوى من الإنترنت الثابت
78,121 شكوى من الهاتف الثابت
يذكر أن اعتمد الجهاز 3,102 محطة تغطية جديدة في 2024، وهو ما يعزز جودة الخدمات تدريجيًا.