أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن النفاق داءٌ مهلك للأفراد والأمم ، والنفاق أنواع: منه نفاق إيماني، أو نفاق عقدي يتصل بالعقيدة، ومنه نفاق سلوكي، ونفاق اجتماعي، وبكل الأحوال: ذم الله النفاق والمنافقين، فقال (سبحانه): "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا"، وللنفاق علامات.
يأتى ذلك في إطار نشر الفكر الوسطي المستنير ، وإعادة قراءة النص في ضوء متطلبات وقضايا عصرنا الحاضر ، وإسهامًا في بناء الوعي الرشيد ، وفي الحلقة الثالثة عشرة من برنامج "رؤية" بعنوان: "المنافقون الجدد".
وأضاف أن المنافق يظهر خلاف ما يبطن، من أهم علاماته: الكذب ، فالكذاب منافق ، والخيانة، والغدر، وخلف الوعد، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا" أي: كامل النفاق "ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ" وفي رواية "وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ".
وبيَّن القرآن الكريم بعض علامات وصفات المنافقين، من أهم هذه العلامات: أنهم يكثرون عند الطمع، ويقلون عند الفزع، على عكس ما كان عليه أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان أصحاب نبينا (صلى الله عليه وسلم) يكثرون عند الفزع، عند الخوف، عند التضحية، عند الدفاع عن الوطن ، كانوا يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع ، وحتى العربي الأصيل كان كذلك ، يقول عنترة العبسي:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
فأرى مغانمَ لو أشاء حويتها
فيصدُّني عنها كثيرُ تحشمي
هكذا كان العربي الأصيل ، هكذا كان أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، أما المنافقون على العكس من ذلك ، ومن صفاتهم: أنهم يقيسون كل الأمور بمقدار ما يتحقق لهم من منافع، فإن وجدوا منفعة سعوا إليها ، وإن لم يجدوا منفعة فهم كما يقول الحق (سبحانه): "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ" يقيس تعامله مع الله بمقدار ما يتحقق له من مصالح دنيوية يقول (سبحانه): "فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ" ، ما عاقبة هؤلاء؟ عاقبتهم في قوله (سبحانه وتعالى): "خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ".
ومن صفات المنافقين: ما تقوم به الجماعات الإرهابية والمتطرفة من الفساد، والإفساد دون وازع من ضمير، أو وطن، أو خلق، أو دين ، حيث يقول (سبحانه): "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ"، ومن أهم صفات المنافقين ما تقوم الجماعات الإرهابية والمتطرفة الفاسدة المفسدة الضالة من محاولة تأليب الرأي العام ، يقول (سبحانه): "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ" محاولة إثارة المجتمع، والرأي العام ، وتأليب الرأي العام ، وإلقاء الوهن ، وكما قال الحق سبحانه: "وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ".
وأوضح أن هناك من ينخدع بهذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة ، ويسير خلف صفحاتها الوهمية الكاذبة الضالة المضلة، وهي خطر على الدين والدولة، يقول (سبحانه): "لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"، ومنها: التحالف مع الأعداء، والعمالة لهم، والخيانة للأوطان، وعمالة الأعداء على حساب دينهم ووطنهم، ولطالما أكدنا ونؤكد أنه عبر التاريخ الإنساني، بقراءة التاريخ البشري لم تسقط دولة عبر التاريخ إلا كانت الخيانة من بعض أبنائها أحد أهم عوامل سقوطها ، يقول (سبحانه): "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ" ، يريدون أن يؤمنوا أنفسهم بالتحالف مع الأعداء ، "يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ"
ومع أن هذه العلامات التي تحدثنا عنها من أهم صفات المنافقين ، قديمًا وحديثًا ، يشترك فيها المنافقون القدامى والمنافقون الجدد ، إلا أن المنافقين الجدد قد ضموا إلى ذلك ضروبًا جديدة من الخداع ، من أهمها المتاجرة بالدين ، وأنهم يلبسون مسوح الدين، ويتاجرون به، ويرفعون لواءه ، فهذه الجماعات كثير منها يقتل ، ويسفك الدماء، ويهتك الأعراض ، ويسلب الأموال ، وللأسف الشديد يرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله إفكًا، وزورًا، ومتاجرة، بدين الله، ومخادعة للبسطاء ، والدين، والإسلام، والإنسانية، والأخلاق، والقيم من كل ذلك براء ، ديننا دين حفظ الدماء يقول (سبحانه وتعالى): "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، فكل الدماء محفوظة وكل الأعراض مصانة، وكل الأموال محفوظة، هذه الجماعات لا علاقة لها لا بالأديان ولا بالإسلام ، ولا بالإنسانية، فمن سعى في قتل الأنفس وهتك الأعراض بدون حق انسلخ من كل مبادئ الأديان، ليس من كل مبادئ الأديان فحسب، بل من كل القيم الأخلاقية والوطنية ، والإنسانية ، ومن النفاق مخادعة المجتمع بالتدين الشكلي، هذا ما نبهنا إليه سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما وجد رجلًا يتماوت في صلاته يخادع الناس، بعض الناس يعمل حركات مفتعله ليست حقيقية، وليس فيها خشوع، يفتعل، ويدعي على الناس، كأنه زاهد متخشع، قال له سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): يا هذا لا تمت علينا ديننا أماتك الله (من أبدى فوق ما في قلبه فهو منافق) ، الإسلام ليس بالتماوت ، ولا بالمسكنة ، ولا بالتزهد الكاذب، الإيمان الحقيقي: ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وهذا ما قاله حبيبنا (صلى الله عليه وسلم) عن سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه): "ما فضَلَكُمْ أبو بكرٍ بفضلِ صومٍ ولا صلاةٍ ، ولكنْ بشيءٍ وقرَ في قلبِهِ"، وقال (صلى الله عليه وسلم): "الإسلامُ عَلانيَةٌ، والإيمانُ في القلبِ، ثُم يُشيرُ بيَدِه إلى صَدرِه ثلاثَ مرَّاتٍ، ثُم يقولُ: التَّقْوى هاهنا، التَّقْوى هاهنا" ، نسأل الله أن يرزقنا حسن الفهم، وحسن الوفاء لديننا، وأوطاننا.