اعلان

صناعة الجريد تراث أهل الفيوم.. المهنة المتوارثة مهددة بالانقراض.. الصناع: منتجاتنا صديقة للبيئة تزين الفيلات والفنادق (صور)

صناعة الجريد بالفيوم
صناعة الجريد بالفيوم

'كراسي، ترابيزات، أباجورات، ستائر، أباليك، أسرّة أطفال، مراجيح'.. منتجات جديدة ابتكرها صُنّاع الأقفاص بمحافظة الفيوم لينقذوا حرفتهم من الاندثار ويعيدوا مجدها الماضي، بالإضافة إلى إنعاش دخلهم الذي كلن 'يصارع الموت' خلال الآونة الأخيرة.

صناعة الجريد بالفيوم

تاريخ الصنعة

وتشتهر محافظة الفيوم بأنها أقدم وأعرق المحافظات في صناعة الأقفاص والكراسي والترابيزات من جريد النخل، خصوصًا قرية العجميين التابعة لمركز أبشواي بمحافظة الفيوم، التي يبلغ سكانها ما يقرب من 40 ألف نسمة يعمل نصفهم في صناعة منتجات الجريد، كما يبدأ الأطفال منذ سن السادسة تعلم فنون الصنعة إما بتلوين الأقفاص أو ربط الأطراف بالأسلاك، نظرًا لصغر سنهم، وبالتدريج يتعلمون شيئًا فشيئًا حتى يتقنون فنون 'الصنعة'.

وما أن تطأ قدماك القرية إلا وتجد حولك مساحات شاسعة من الأراضي تتراص فيها آلاف الأقفاص في ناحية، ومنتجات الجريد الأخرى في ناحية أخرى وكأنّ القرية معرض فني لمنتجات الجريد خصوصًا بعدما طوروا فيها كثيرًا وأصبحوا يصنعون منتجات كثيرة بخلاف الأقفاص.

صناعة الجريد بالفيوم

مهنة متوارثة

'أهل مصر' التقت محمد علي، 45 عامًا، ويروي أنّه عمل في تلك المهنة منذ كان عمره 6 أعوام حيث ورثها أبًا عن جد، فكان يذهب برفقة أبيه وجده ويساعدهما حتى أتقن الصنعة بشدة منذ نعومة أظافره، وكانت شديدة الأرباح نظرًا لكونها 'صنعة ريفية بسيطة' وكان الإقبال عليها كبيرًا من المواطنين الذين يربون 'الطيور' في منازلهم فكانوا يحتاجونها لاستخدامها في تربية 'الدواجن والبط الصغير، بالإضافة إلى الفلاحين وتجار الفواكه والخضروات الذين كانوا يأتون لشراء الآلاف من الأقفاص يوميًا.

قرية صناعة الجريد بالفيوم

ويؤكد الرجل الأربعيني أنّه لن يتمكن أي شخص من العمل في تلك الحرفة إلا إذا كان يتصف بعدة مواصفات، أهمها القوة والصبر والجلد والخشونة، ونظرًا لكونهم تعلموها منذ صغرهم فأصبح نصف أهالي القرية يعملون فيها سواء داخل القرية أو بعدما انتقلوا إلى القاهرة والجيزة، حيث إنها باب الرزق الوحيد بالنسبة لهم.

الكراسي والمناضد تُنقذ المهنة

وفي ورشة مجاورة يجلس الشاب الثلاثيني عادل السيد، مُمسكًا بيديه آلة حادة يستخدمها في تقطيع الجريد، قائلًا، إنّ أقفاص الفواكه والخضروات أو أقفاص الطيور لم تعد تدر عليهم أرباحًا وأصبحت سببًا لخسائرهم المتتالية، وهم لا يعلمون أي مهن أخرى، فما كان منهم إلا أن طوروا في مهنتهم من أجل إنعاشها وإنقاذها من الاندثار.

وبيّن 'عادل' أنهم ابتكروا في البداية صناعة 'الكراسي والترابيزات' التي لاقت إقبالًا كبيرًا خاصة من أصحاب الفلل الفخمة لاستخدامها في الحدائق، بالإضافة إلى الكثير من الفنادق البيئية في قرية تونس وفي المحافظات الأخرى، وأخيرًا من أصحاب الكافيهات الذين يعتبرونها 'أرخص وأوفر' وذات شكل ريفي جميل، فأصبحوا يبيعون الطقم بأسعار تتراوح بين 300 إلى 350 جنيه، يتكون من 4 كراسي ومنضدة أو كنبة و2 كرسي ومنضدة، كاشفًا أنّ مهنتهم مُريحة في الصناعة وموفرة في الوقت.

صناعة الجريد بالفيوم

الديكور الريفي البسيط

ولفت إلى أنّ الكراسي ليست فقط هي التي أحيت مهنتهم لكنهم صنعوا أشكالا متعددة ومختلفة من الأباجورات والأباليك التي تستخدم للإضاءة، والستائر، وكل ذلك يتم تصنيعه بالطلب من خلال مهندسي الديكور أو أصحاب الفنادق المختلفة.

وأشار إلى أنّ أحدهم ويدعى 'محمود محمد' عندما رُزق بطفل قام بصناعة 'سرير' له من الجريد فلاقى استحسان الجميع وبدأوا في تصنيعه، حيث لاقى رواجًا كبيرًا بين أهالي القرية وخارجها، ثم قاموا بتصنيع 'مُرجية' تستخدم للأطفال.

صناعة الجريد بالفيوم

الأقفاص البلاستيك سبب الركود

أمّا سيد أحمد 'صاحب ورشة' فأوضح أنّه يعمل في تلك المهنة منذ 30 عامًا، ويعمل في صناعة الأقفاص ويبيعها بأسعار تتراوح بين 7 إلى 15 جنيهًا حسب الحجم، موضحًا أنّ الأقفاص البلاستيك أصابت صناعتهم بالركود نظرًا لكونها أرخص وأفضل في الشكل على الرغم من أنّ أقفاص الجريد أكثر جودة وصحة فلا تفسد الفاكهة والخضروات بداخلها في الصيف خصوصًا لأنّه يقاوم حرارة الشمس بعكس الأقفاص البلاستيك التي تزداد حرارتها بسرعة وتتسبب في إفساد ما بداخلها.

صناعة الجريد بالفيوم

مراحل الصناعة

وعن مراحل صناعة منتجات الجريد، يكشف 'سيد' أنّه يبدأ بشراء 'الجريد' من محافظات الصعيد بسعر يبلغ 1300 جنيه لكل 1000 جريدة، ثم يقوم بتقشيره وتقطيعه إلى شرائط طولية، وبعد ذلك يُترك ليجف في الشمس، ثم تأتي مرحلة التخريم، تليها مرحلة تقفيل القطع مع بعضها البعض بطريقة 'العاشق والمعشوق' وأخيرًا يتم ربط الأطراف بالأسلاك كي تمنحه قوة وصلابة ولا يتفكك مع مرور الزمن.

وعن بيع المنتجات، يوضح أنّ 'الأقفاص' تُباع للتجار الذين يأتون ويشتروها منهم ليبيعوها في أسواق الخضر والفاكهة، أما الكراسي والموائد والمراجيح يتم بيعها لتجار الخزف ليبيعوها في معارضهم، بينما الأباليك والستائر والأباجورات يتم بيعها لمُهندسي الديكور حسب الطلب.

صناعة الجريد بالفيوم

مشاكل "الصنعة"

واشتكى 'صانعو الجريد' من مشاكل 'الصنعة' الكثيرة التي تزداد بإهمال المسؤولين لهم، فهي حرفة مُتعبة تُسبب لهم الكثير من آلام الظهر والقدمين بسبب الجلوس لفترة طويلة وانحنائهم خلال التصنيع، ورغم ذلك لا يوجد لهم تأمين صحي، مُطالبًا بضرورة إنشاء نقابة لهم لتوفر لهم المعاشات والتأمين الصحي، ومتطلباتهم أسوةً بالخزافين والسائقين وأصحاب المهن الأخرى، خصوصًا أنهم لا يعملون بشئ آخر وليس لهم مصادر دخل أخرى ويعانون من عدم وجود تأمين صحي لهم، بالإضافة إلى ضرورة السماح لهم بالمشاركة في المعارض والمهرجانات المختلفة مثل مهرجان 'تونس' للحرف اليدوية وغيرها من الفعاليات التي قد تُغير حياتهم بسبب إنعاش حركة البيع لديهم.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً