أثارت أسعار الكتب المعروضة في المعرض الدولي للكتاب في موسمه الماضي جدلا كبيرا حول ما إن كانت دور النشر تسعى بجشع لاستغلال القدرات الشرائية للقارئ بغض النظر عن الكلفة الحقيقية للكتاب، وبغض النظر عن القيمة الفكرية التي يحملها.
ويبدو أن التضارب ظهر جليا بين رؤية المؤلف الساعي لنشر كتبه، والقارئ الباحث عما يتلاءم مع قدراته المادية، والناشر الساعي لتحقيق هامش ربح يصل أحيانا حد الاستغلال، حيث يتعامل في الغالب مع الكتاب كسلعة تحقق الربح.
وحرصت "أهل مصر" على كشف الاتفاقات الغير معلنة بين دور النشر والكتاب الشباب، حيث اشتكى أغلبهم من استغلال دور النشر لهم ووضع شروط كثيرة من شأنها تحقيق الربح واحتقار أفكار الكتاب، دون النشر إلى قيمة الفكرة وملائمتها لعقلية القارئ من ناحية أخرى.
والتقت "أهل مصر" عددًا من الكتاب الشباب بجامعة القاهرة، حيث قالت منى أحمد طالبة بالفرقة الثانية بكلية دار علوم، إن الكتب التي تنشر في معرض الكتاب الدولي، يحظى محليا بالاحترام، ولكن المعرض في حد ذاته يعد من أقوى المعارض لجهة الإيرادات المادية، لذا تنتظره دور النشر بشغف ولهف، وقال "تستغل بعض دور النشر مدخرات الناس مستغلة لشغفهم للقراءة بأسعار خيالية".
وتابع عمرو السيد، أحد الطلاب وصاحب كتباب "أحلام خيالية"، أن دور النشر تضع شروطا فى تعاقدها مع الناشر يسمح لها بإصدار طبعات أخرى للكتاب وأخذ الربح كاملا في مقابل نشر الكتاب، مستنكرا "الكاتب مبياخدش ربع الربح الذي تأخذه دور النشر".
وأشار أحمد أشرف، أحد الطلاب، أن المؤلف يظل في معادلة القيمتين المادية والفكرية بين المطرقة والسندان، فالناشر لا ينظر - في الغالب - إلا لتحقيق الربح كتاجر، بعيدا عن القيمة الحقيقية للكتاب، وقال "يعمد البعض إلى التسويق والتطبيل لإيقاع القارئ ومشاركته لهم في عملية الترويج، وبالالتفات إلى قوائم الأكثر مبيعا ووزنها تدرك ما أرمي إليه.
وتضيف منة مدحت، إحدى الطالبات ، أن المخرج الوحيد هو قدرة المشتري الذاتية على التمييز، واختلاف الميول من شخص لآخر، ومبيعات معرض الكتاب بالرياض مؤشر قوة شرائية كبيرة تسيل لعاب الناشرين، ولن يوقفها سوى حصافة المشتري وفطنته، ومعرفته الأسعار المسجلة بالنظام وما هي على أرض الواقع".
بدوره يتساءل الكاتب المصري أحمد مراد عن ماذا يبحث القارئ؟، وهل لأسعار الكتب تأثير عند الشراء أم الأساس فيها الاهتمام؟ ولماذا يكون للصحف والمجلات سعر محدد، فيما لا ينطبق هذا على الكتب؟ ولماذا تكون أسعار الأدوية موحدة وهي شفاء للأجسام، فيا تتباين أسعار الكتب وفيها شفاء العقول والأرواح؟.. كل هذا كان ردا منه على سؤال "أهل مصر" له عن حقيقة احتقار دور النشر واستغلالها للطلاب والكتاب الصغار.
وأضاف مراد، أن دور النشر لها دور لا أحد يستطيع نكرانه، ولكن الأمر تحول إلى التعامل مع الكتب على أنها سلعة، وعدم النظر إليها بقيمتها الفنية والثقافية، مشيرا إلى أن القارئ هو الضحية الأكبر لهذا العبث ، على حد قوله، فهو فريسة أسعار خيالية ومحتوى غير قيم.
وترى بعض دور النشر، أن مات قوم به هو خدمة الكتاب الصغار الغير قادرين على نشر أفكارهم وكتبهم، حيث قال محمد عبد الفتاح، أحد موظفي دور النشر "ليليان" أن الكتاب الصغار، على حد تعبيره، غير مؤهلين ماديا لنشر كتبهم، وما تقوم به دور النشر ما هو إلا تشجيعهم، ونشر أفاكرهم ولكن تضمن حقها في هامش ربح بسيط تساعدها على اكمال رسالتها.
وأشار عبد الفتاح، إلى أن العرض والطلب في موضوع التأليف وهو الذي يحدد ويعظم أسماء الكاتبين وليس السعر، هذا إن كانت الكتب تُنشر لعامة المجتمع، أما إن كانت لأفراد محددين علميا أو اجتماعيا أو مهنيا فهنا لا تعد كُتبا عامة، وهذه لها معطياتها المغايرة.
ويضيف، "هناك دول كثيرة في أوروبا وضعت قوانين تُحدد أسعار الكتب المطبوعة مثل ألمانيا، النمسا، اليونان، هولندا، البرازيل، إسبانيا.. وفي فرنسا يجبر القانون المطابع بوضع سعر للقارئ لا يختلف سواء كان البيع في مدينة كبيرة أو قرية صغيرة".
ويرى المدير التنفيذي لإحدى دور النشر، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن شغف القارئ وليس رخص سعر الكتاب هو ما يحدد خياراته، لافتا إلى أن الترويج لبعض الكتب خلال المعرض عبر وسائل التواصل بمناسبة المعرض يغري البعض باقتنائها والإلحاح عليها، على الرغم من أنه لا يعرف سوى اسمها، لكنه يقتنيها من باب الفضول ومجاراة الموضة، وغالبا ما تكون متواضعة القيمة، ومنها روايات وإبداعات غير ناضجة أو مقالات وتغريدات معدة من الشبكة العنكبوتية أو خواطر تسجيلية أو كتب مترجمة، وهذا القارئ لا يلتفت للسعر وهو المتحكم بشكل كبير في اتجاهات السوق.
ويكمل :"هناك قارئ يستهدف كتبًا نوعية، وتراوح اهتماماته بالسعر، لكن الأمر يصل درجة التأزم والضيق من الأسعار عند الباحث الجاد والمثقف والمؤلف الذي يريد معرفة وضعه ممن حوله".
ومع هذا لا بد من مراقبة الأسعار والحرص على انخفاضها لتفتح المجال أمام اقتناء الكتب، فالسعر المرتفع لا يجعل من الكتاب شيئا ثمينا، دون أن يعني هذا حرمان دور النشر من حقوقها في الكسب المعقول لأنها ليست مؤسسات مجانية، ودليها متطلبات متعلقة بالكلفة وحقوق العمال والآلات والمستودعات وحقوق الكاتب، لكن ليس من المقبل جعل الكلفة أداة لقمع المعرفة والثقافة وإشاعة الجهل والتخلف".
وحول الحلول للتوفيق بين المعطيات المتعارضة، يرى بعض الخبراء، أننا أمام خيارين، تقديم تمويل للكاتب بناء على دراسة، أو تمويل الكاتب بذاته لنتاجه في البداية، فإذا نجح مّولته الدار مباشرة، وبالتالي يكون الإقبال على الكتاب هو الفيصل".