في مذكرات جولدا مائير، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كشفت "جولدا" عن عدد من الأسرار في شبابها، فتحدثت عن بداية حياتها بقولها بعد انتقالها لأمريكا « استقبلنا أبي في ملووكي الأمريكية وبدا غريبًا، حلق لحيته وأصبح مثل الأمريكيين، وقرر أن يشتري لنا ملابس حتى نظهر مثل الامريكيين نحن الآخرين ، كانت أول مرة أرى أمريكا فأنا القادمة من العالم القديم، أول مرة أركب سيارة في ملووكي كنت سعيدة جدًا عكس أختى «شينا» التي لم تحب الحياة الأمريكية خاصة بعد أن تركها حبيبها»
وتضيف رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «بعدها بأيام انتقلنا إلى الحي اليهودي في الجزء الفقير من المدينة وهو الذي يسكنه الآن المواطنين السود، وشقتنا لم يكن فيها كهرباء أو ماء لكني كنت سعيدة بها كثيرًا وبدأت أمي تستغل دكانًا في آخر الممر وكانت تبيع فيه وحين تذهب لشراء البضائع أقوم انا بالوقوف مكانها، أما شينا فذهبت تشتغل لدى خياطة، ورغم انشغالي كانت درجاتي في المدرسة جيدة.
وتكمل «بعد ثلاثة أشهر من وجودي في أمريكا طلب إلينا والدي أن نهتم بعرض يوم العمل الذي سيشترك فيه واستعددنا، ولكن ما إن اقتربنا حتى رأينا رجال الشرطة بخيولهم المتقدمة وظهرت الحرية الامريكية الحقيقية امامي لا فرق بينهم وبين روسيا»
وتابعت جولدا مائير «أما ملووكي فتميزت انها مدينة ليبرالية الطابع ويغلب عليها الاشتراكيين ، لكن المأساة الحقيقية كانت شينا التي لم تستطيع تعلم اللغة الانجليزية أو التأقلم في العمل بسبب سفر حبيبها، وأثر ذلك على نفسيتها كثيرًا، ففي عامها الثامن عشر كانت كالعدم ، وذات يوم أبلغتني أن عمتها أرسلت لها خبرًا عن شاماي حبيبها وإنه سجن وهرب وقادم إلى أمريكا، وأعدت شينا التي أصيبت بالسل حجرة له، وبعدها سافرت أختي إلى «دنفر» لدخول مستشفى المصدورين اليهودي ولحق بها شاماي وتزوجها ورغم تحذير الأطباء أن تلك الزيجة لن تطول فقد استمرت 43 عاما وانجبا ثلاثة اطفال.
وتضيف «مرت الاعوام سريعًا واستغرقتني المدرسة في الأوقات التي كنت اترك فيها الدكان ووقع حادث هام في حياتي حين كنت في الصف الرابع إذ قمت بأول عمل عام لي عندما انشأت صندوقًا لجمع الأموال اللازمة لشراء الكتب المدرسية لغير القادرين، وكانت تلك أول تجربة لي كجامعة تبرعات لكنها لم تكن الاخيرة وقمت باستئجار قاعة ووجهت الدعوات باسم جمعية الاخوات الامريكيات الصغار والقيت كلمة حول أهمية توافر الكتب للتلاميذ وألقت اختى كلارا مقطوعة من الشعر الاشتراكي بلغة البيديش واثنا علينا والدينا لكننى تمنيت أن تكون شينا موجودة ثم ارسلت اليها صورتي التي نشرتها احدى صحف ميلووكي»
وتستطرد رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «كانت امي قد الحّت علي أن أكتب كلمتي لكنها كانت نابعة مما أشعر به في قلبي وقد بقيت على هذا النمط طيلة نصف قرن بجانب البيانات الحكومية في الامم المتحدة او الكنيست كنت أفضل دائمًا أن القى كلمتي من دماغي»
وتقول بعد ذلك «أنهيت دراستي وأنا في الرابعة عشرة، وبدا إني سألتحق بالمدرسة العليا وكنت اتمني أن أكون مدرسة فأنا أرى ومازلت أن التدريس أنبل المهن وكنت أعلم إنني قادرة على التدريس ، أما امي فقد رأت إني نلت قسط من التعليم وبالتالي بدت تفكر جديًا في زواجي وحاولت اقناعهما بكل السبل لكن توسلاتى ذهبت سدى»
وتضيف «رغم استمرار الخلاف فقد التحقت في خريف 1912 بالمدرسة العليا لكن بدأت الازمة حين بحثت امي عن زوج لي ، ثم تبين إنها تتفاوض مع طبيب من جيراننا وسارعت بكتابة رسالة إلي «شينا» ووجهت لي دعوة للحاق بها وكانت تلك الرسالة نقطة تحول في حياتي ولم يكن السفر سهلًا بإذنهما لذلك غادرت دون أن ابلغهما وكتبت لهما جواب بذلك وعرفت بعد ذلك أن امي انهارت حين غادرت»
وتحكي جولدا مائير عن رحلتها تلك «في دنفر انفتحت الدنيا امامي وكنت أذهب الى المدرسة بعد الظهر وأقف في محل للكي في الصباح، و في بيت شينا كان هناك امسيات سياسية وكنت أحب مناقشتهم وتحول المركز لليهود الروس المغادرين إلى الغرب وكان بعضهم من الفوضويين والآخر من الاشتراكيين وكنت أصغر المتواجدين ولم أكن أعرف ما يقولونه لكني عرفت أن الاشتراكية تعني الديمقراطية وحق العمال في حياة أفضل وكنت اولى اهتمامي لمن يتحدث عن الصهيونية الاشتراكية»
وتتابع «لعبت هذه الليالي دورًا هامًا في تشكيل معتقداتي في المستقبل وفي رفض أو قبول الأفكار ، لكن اقامتي في دنفر كان لها نتائج اخرى كان هناك واحدًا من الزوار رقيق الحاشية ، عذب الحديث هو موريس مايرسون الذي كانت اخته قد التقت بشينا في المصحة وكانت عائلته قد هاجرت مثلنا إلى امريكا وكانوا فقراء»
وتصفه جولدا مائير فتقول «لم يكن صوته يعلو حتى في أعصف الجلسات ، لكنه جذب انتباهي باختلافه عنهم وكان يحب الشعر والفنون والموسيقى وكان ذلك في ربيع 1912»
وتعترف « تملكني اعجاب هائل بموريس أكثر من أي شخص آخر فيما عدا شينا لا بسبب معلوماته الواسعة فحسب بل ايضًا لرقته وروحه المرحة ودون أن ادرى وقعت في حبه واحبني هو الآخر»
وتستطرد «إثر مراقبة شينا الصارمة قررت أن اغادرهم وبحثت عن مأوى إلى أن دعاني اثنان من أصدقاء شينا للبقاء معهما وكان الاثنان في مراحل متقدمة من مرض السل وسكنت معهما في غرفة واحدة»
وتختتم فتقول «عندما بلغت السادسة عشر من عمري عثرت على مكان أقيم فيه ووصلت قرار إلى أن المدرسة العليا ليس لها مجال في حياتي ووجدت ان التلائم بمفردي أكثر أهمية من التعليم والتحقت بعمل في قياس الجونلات ومازلت حتى يومنا هذا امسك بحافة أي جونلة واخيطها بكل دقة»
وتضيف «بعد عام قضيته وحدي تلقيت رسالة من ابي هي الوحيدة التي كتبها لي خلال عام وكانت الرسالة مختصرة وواضحة ، إذا كانت حياة امي لها قيمة فيجب أن أحضر فورًا وفهمت أن علي المغادرة وقبل أن اغادر اخبرت موريس اني احبه واخبرني هو على استحياء واتفقنا على الزواج مستقبلًا وسافرت ميلوكي والبهجة تغمرني».