سردت النيابة العامة، اليوم الثلاثاء، في مرافعتها المطولة بقضية مقتل ابن سفير سابق داخل شقته بكومبوند شهير بالشيخ زايد، تفاصيل ارتكاب الجريمة وكيف تسلل المتهمون إلى شقة المجني عليه وأسرار تنفيذ خطتهم طمعًا في ثراء الضحية.
طالب ممثل النيابة بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين لبشاعة جرمهم وتطبيق القصاص منهم لما ارتكبوه، وقال: «إن القضية المطروحة أمام عدلكم اليوم تطل فيها الجريمة بأقبح صورها وأفجر ملامحها النكراء، كأنما الدنيا قد خلت من أمن وأمان، تأخذنا من عصرنا لتحط بنا بأول الزمان، يوم لم يكن لغير القوي مكان، حيث لا قانون ولا أخلاق ولا إيمان، حيث لا حرمة لعرض ولا بيت ولا إنسان، والعجب كل العجب أن ما حدث قد وقع بزماننا، لا بذاك الزمان'.
أسطورة من أساطير الظلام
تابعت النيابة في المرافعة: «ما سأقصه عليكم هي وقائع قضية اكتنفتها أوراقنا وبدفاترنا قيدت، وليست أقصوصة من أقاصيص التاريخ أو أسطورة من أساطير الظلام. هؤلاء الماثلون بين القضبان البالية ما انفكوا بالأمس القريب طلقاء بين الخلائق الآمنة، متجردين من كل قيمة عرفتها الإنسانية، مترفعين عما جبل عليه قلب الإنسان من رحمة».وأضاف: «اليوم نقف أمام عدلكم لنروي قصة عمرو جلال بسيوني الذي كان يحمل في قلبه أحلامًا وطموحات لا حدود لها. قُتل من لم يستوف سن الشباب، عاش حياته محبًا لمن حوله، محبًا لأسرته وأصدقائه».
المتهمون من فئة الأغرار المفتونين
وأشار قائلًا: «لا أتحامل عليهم إذ أقول إن البشرية في تاريخها الطويل وعهدها السحيق قلما تعرف رجالًا كهؤلاء في بلادة إحساسهم وقساوة قلبهم وإصرارهم على طريق الخطيئة والفشل، المتهمون من فئة الأغرار المفتونين التي طاشت أحلامهم وعميت بصائرهم وقلوبهم، فلم يروا من النور إلا ظلامًا، ومن الخير إلا شرًا، ومن وجوب الحفاظ على النظام والقانون إلا استعبادًا ورقًا».
عيون باكية ووجوه عابسة
ذلك الشاب الذي لم أكن أعرفه من قبل، ولكن عرفته من خلال التحقيقات، تبينت صفاته الحميدة في العيون الباكية وتلك الوجوه العابسة التي كانت تنم عما في نفوسهم من حزن وأسى. حتى لقد كان كل منهم يرى المصاب مصابه والفقيد فقيده، فأبوا أن يذهب هذا الشاب إلى داره الأخيرة إلا محمولًا على أعناقهم، فهو لم يعد بيننا اليوم، قُطفت روحه ظلمًا، ضحية لآثام لا تليق بالبشرية.
سردت النيابة موضحة أن قضية اليوم أبطالها ثلاثة 'الطمع الفشل والحقد' أما عن الجناة فهم كذلك: يوسف ومارك، شابان بلغا كل منهما من العمر ثمانية عشر عامًا أو يزيد، الفرض فيهما أنهما طالبين للعلم، باحثين عن تحقيق الذات، بحُسبان أنهما طالبين بالجامعة، تراجعت طموحاتهما الباهتة وانحدرت أحلامهما إلى هاوية من الرغبات المريضة، لم يأبها سوى بتحقيق حلم الثراء السريع ولو على حساب حياة إنسان، صفات تلاقت، فتخبطا في عالم من الجرائم والأسرار، فجعلوا حياتهما حكاية من الدمار.
نيران الطمع والدناءة
أما إبراهيم، فهو شاب لم تروضه الحياة، تسللت إلى قلبه نيران الطمع والدناءة فصار عبدًا للمادة بمنتهى البلادة، نشأ في بيئة متواضعة، لم ير سوى مكسب قريب أو منفعة عابرة. حين سنحت له الفرصة، لم يتردد في إخفاء الدليل، ثم استحضر كل مكر لمحاولة لإخفاء القتيل. اندفع بجشعه نحو الهاوية.
ونوهت النيابة خلال المرافعة: «الطمع والجشع والخداع منهاج هؤلاء الذين قد حادوا عن الطريق المستقيم، واتخذوا مسلكًا ليس بالقويم. استحوذت عليهم صفات الحقد والجشع وهم في مقتبل حياتهم، وقادهم ذلك إلى ارتكاب الجرائم جريمة تلو الأخرى، ورغم ذلك، عجزوا عن كبح جماح رغباتهم المسمومة، واستبد بهم شيطانهم، وعصف بهم الجشع الذي سلب منهم دينهم ويقينهم، فأعماهم وسقطوا في بئرٍ من الإثم ينهلون منه حتى الثمالة».
واختتم ممثل النيابة العامة مرافعته: « فقد حمل عليهم شيطانهم فأعمى بصيرتهم وبدد حياتهم، وسولت لهم أنفسهم بما حيلت عليه من خسة ودناءة وسوء النشأة وفساد التربية أن يقتلوا ويتحولوا لذئاب بشرية».