ads

هل تحتاج شبكات الاتصالات إلى ترددات جديدة لتحسين جودة تشغيل الجيل الخامس في مصر؟

شركات الاتصالات
شركات الاتصالات

مع اقتراب تشغيل شبكات الاتصالات الجيل الخامس (5G) في مصر، والذي بدأت تجاربه فعلياً في بعض المناطق ومن المتوقع أن يصبح واقعاً ملموساً بحلول نهاية 2024 أو بداية 2025، يبرز سؤال حيوي: هل تكفي الترددات الحالية لتقديم خدمة متميزة، أم أن هناك حاجة ماسة لطرح ترددات جديدة لضمان جودة الخدمة؟

الجيل الخامس: طفرة تكنولوجية أم تحدٍ جديد؟

شبكات الجيل الخامس ليست مجرد ترقية بسيطة للجيل الرابع، بل هي نقلة نوعية تعد بسرعات فائقة تصل إلى 900 ميجابت/ثانية أو أكثر، وكمون منخفض يدعم تقنيات مثل إنترنت الأشياء، السيارات الذكية، والواقع الافتراضي.

 لكن هذه الوعود لا تأتي بسهولة، فالترددات تلعب دور البطل الخفي في هذه القصة. فبدون حيز ترددي كافٍ ومناسب، قد تتحول هذه الطفرة إلى مجرد شعارات براقة دون أثر حقيقي على أرض الواقع.

حالياً، تعتمد مصر على تخصيص بعض الترددات القديمة في نطاق 2.6 جيجاهرتز لتشغيل الجيل الخامس، وهي نفسها التي استُخدمت سابقاً للجيل الرابع. اختبارات أولية أظهرت تحسناً في السرعة مقارنة بالجيل الرابع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا التحسن كافٍ لاستيعاب الطلب المتزايد وتحقيق كامل إمكانات الجيل الخامس؟

وأوضح المهندس محمد شمروخ الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن إطلاق خدمات الجيل الخامس يتطلب استثمارات إضافية لضمان استفادة المواطنين منها.

 وكشف شمروخ في تصريحات سابقة أن الترددات تُدار بطريقة طويلة الأمد تضمن الاستفادة الشاملة للمستخدمين، سواء تجاريًا أو سكنيًا.

وأشار إلى أن طرح تراخيص الجيل الخامس كان بموجب توافق على آليات التشغيل وتقديم الترددات بشكل يحقق أهداف المنظومة.

كما أوضح أن التحديات التي تواجه الترددات في مصر تشمل التوزيع الجغرافي والتعامل مع الجهات المالكة للأحياز الترددية، خصوصًا مع تزايد عدد السكان.

وأضاف شمروخ أن البث الإذاعي الأرضي يُعتبر حقًا أساسيًا للدولة، ويتم التعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام لإخلاء الترددات المطلوبة، والتي قد تصل إلى 100 ميجا، مع تحمل الجهاز القومي لتكلفة إعادة تشغيلها.

يرى الدكتور عمرو بدوي، الرئيس التنفيذي الأسبق للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن الترددات الجديدة ليست مجرد خيار، بل شرط أساسي لنجاح الجيل الخامس. مشيرا إلى أن الجيل الرابع نفسه عانى من قيود كبيرة بسبب نقص الترددات الكافية، مما حد من قدرته على تقديم أداء مثالي. فإذا كان الجيل الرابع قد واجه هذه المشكلة، فكيف يمكن للجيل الخامس -الذي يتطلب حيزاً ترددياً أوسع وأعلى- أن ينجح دون دعم إضافي؟

وأكد بدوي في تصريحات خاصة أن الترددات ليست مجرد أرقام، بل هي الطريق الذي تسير عليه البيانات، موضحاً أن الجيل الخامس يعتمد على نطاقات مختلفة منخفضة (أقل من 6 جيجاهرتز) للتغطية الواسعة، ومتوسطة (2.5-3.7 جيجاهرتز) للتوازن بين السرعة والمسافة، وعالية (فوق 24 جيجاهرتز) للسرعات الفائقة في المناطق المحدودة.

وتابع بدوي أن استخدام الترددات القديمة في نطاق 2.6 جيجاهرتز قد يكون حلاً مؤقتاً، لكنه لا يفتح الباب أمام الإمكانات الكاملة للنطاقات العالية التي تحتاجها التقنيات المستقبلية.

حتى الآن لم يعلن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بعد عن طرح ترددات جديدة مخصصة للجيل الخامس، واكتفى بالتعاون مع شركات مثل "نوكيا" و"إريكسون" لتجربة الخدمة على الترددات المتاحة. فالجهاز القومى لم يصدر بيانات رسمية حول خطط طرح ترددات جديدة حتى نهاية الربع الأول من 2025)، لكنه ألمح إلى تعاون مستمر مع شركات الاتصالات لتطوير الخدمة.

هذا النهج أثار مخاوف الخبراء، إذ يرون أن إعادة استخدام الترددات القديمة قد يحد من الفروق بين الجيل الرابع والخامس، مما يجعل التحسن في الخدمة هامشياً وليس جذرياً.

وقال دكتور حمدي الليثي خبير الاتصالات أن استخدام تقنية TDD، تسمح بتحميل وتنزيل البيانات في حزمة ترددية واحدة، مما يزيد من كفاءة استخدام الطيف الترددي ويعزز من جودة الخدمات المقدمة للمستخدمين. مشيرا إلى أن هذه التطورات تمثل نقلة نوعية في تحسين تجربة المستخدم وتعزيز البنية التحتية الرقمية في مصر.

وضرب الليثي مثالاً، باختبارات موقع "nPerf" التي أظهرت أن الجيل الخامس في مصر يقدم سرعات أعلى من الجيل الرابع، لكن هذا التحسن قد يكون ناتجاً عن رفع قيود تنظيمية سابقة على الترددات الحالية، وليس بالضرورة بسبب قدرات الجيل الخامس الحقيقية مبيناً أن هذا يثير تساؤلاً: إذا كانت الترددات الحالية كافية، فلماذا تأخر تشغيل الجيل الخامس حتى الآن؟ .

ولفت الليثي إلى أن هناك تحديات عدة تواجه تشغيل الجيل الخامس أبرزها ازدحام الشبكات والطلب المتزايد منوهاً إلى أن مصر تضم أكثر من 100 مليون مستخدم للهواتف المحمولة، واستهلاك البيانات ينمو بمعدلات مذهلة -250 ضعفاً منذ 2011 بحسب بعض التقديرات.

وكشف الليثي أنه مع مشروعات مثل "حياة كريمة" والمدن الجديدة، تزداد الحاجة إلى تغطية أوسع وجودة أفضل. الترددات الحالية، التي تتراوح بين 900 و2100 و2600 ميجاهرتز، تعاني من الازدحام، خاصة في المناطق الحضرية، مما يؤدي إلى تقطع في الخدمة وبطء في الإنترنت.

من جانبه قال المهندس عثمان أبو النصر خبير الاتصالات أن الجيل الخامس يتطلب حيزاً ترددياً أكبر لاستيعاب هذا الطلب، خاصة مع تطبيقات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء التي تحتاج إلى اتصال مستقر بأجهزة متعددة في وقت واحد، متابعا أنه بدون ترددات جديدة، قد تصبح الشبكات مجرد نسخة محسنة قليلاً من الجيل الرابع، بدلاً من تقديم النقلة الثورية المنتظرة.

واستعرض ابو النصر مزايا الترددات الجديدة منها زيادة السعة لأن الترددات الإضافية تتيح استيعاب عدد أكبر من المستخدمين والأجهزة دون التأثير على السرعة أو الجودة بالإضافة إلى دعم النطاقات العالية فالنطاقات فوق 24 جيجاهرتز توفر سرعات خارقة، لكنها تحتاج أبراجاً كثيفة وترددات مخصصة لتعمل بكفاءة، وهو ما لا يمكن تحقيقه بالترددات الحالية وحدها.

وشدد أبو النصر أن طرح الترددات الجديدة سيساعد على تحسين التغطية موضحاً أن الترددات المنخفضة والمتوسطة الجديدة يمكن أن توسع نطاق الخدمة للمناطق النائية، بينما تدعم النطاقات العالية المناطق المزدحمة.

وتابع أن الجيل الخامس ليس نهاية المطاف، والترددات الجديدة ستكون أساساً للأجيال القادمة، مما يجعل الاستثمار فيها الآن خطوة استراتيجية.

مشيرا إلى أن بدون هذه الترددات، قد يقتصر الجيل الخامس على تقديم سرعات أعلى بشكل طفيف، دون الاستفادة من مزاياه الكاملة مثل الكمون المنخفض أو الاتصال المتعدد، مما يخيب آمال المستخدمين الذين ينتظرون تغييراً جذرياً.

 ياسر شاكر الرئيس التنفيذي لشركة أورنج مصر أكدوا أن الجيل الخامس يحتاج إلى ترددات أكبر لتحقيق أداء مثالي، مشيرا إلى أن التحديات الجغرافية والديموغرافية في مصر تجعل التخطيط للترددات أمراً معقداً ولكنه ضروري.

من جانبه أشار أيمن عصام، نائب رئيس شركة فودافون مصر لقطاع العلاقات الخارجية والشؤون القانونية، إلى أن الأجهزة الرقابية في العديد من دول العالم تسعى لتحقيق مكاسب مالية كبيرة من خلال بيع الترددات لشركات الاتصالات. لكن بعد ذلك، تُترك هذه الشركات لتواجه تحديات operational صعبة وصعوبات تنظيمية دون أي دعم لتشغيل هذه الترددات، مثل تحسين بيئة العمل وسن التشريعات اللازمة.

وأكد عصام أن تسعير الترددات يعد من أبرز المشكلات التي تعاني منها صناعة الاتصالات عالميًا، مطالبًا بإعادة النظر في هذه العملية لتحقيق توازن بين العائد المالي للدول واحتياجات العملاء في الحصول على خدمات متطورة، بالإضافة إلى تحقيق أرباح مناسبة للشركات.

وشدد على أن خفض أسعار الترددات بات مطلبًا رئيسيًا، خاصة في مصر، لتعزيز استثمارات البنية التحتية للاتصالات. وأوضح أن دفع الشركات لمبالغ ضخمة للحصول على حزم الترددات يضعف قدرتها المالية على الاستثمار في بناء الأبراج وتحسين تغطية الشبكات، مما يؤدي إلى تحديات كبيرة، حيث تُعتبر مصر من أعلى الدول في تسعير هذه الحزم.

وتحدث عصام أيضًا عن تأثير الدولار على تسعير الترددات، مشيرًا إلى أن احتساب الأسعار بالدولار يزيد العبء على الشركات نتيجة لارتفاع تكاليف التشغيل، خاصة مع استمرار تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية. ولفت النظر إلى أن التحديات تشمل صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة والاستثمار في البنية التحتية، خصوصًا مع التوسع العمراني وبناء المدن الجديدة، حيث أن بعض هذه المناطق قد لا تعود بعائد استثماري جيد.

واستشهد عصام بمثال على استثمارات الشبكات في المناطق الجديدة التي قد تستغرق خمس سنوات على الأقل لتحقيق عوائد اقتصادية، بينما مدة الرخصة المتبقية هي 10 سنوات، مما يعني أن الشركات قد تقضي نصف هذه المدة في انتظار العائد. لكنه أشار إلى أنه في حال تم خفض أسعار الترددات، ستتمكن الشركات من تنفيذ استثماراتها بثقة أكبر، مما يسهل عليها تقديم خدمات متطورة وتعزيز استثماراتها في السوق.

وطرحت الحكومة المصرية في أكتوبر 2020 نطاقات ترددية جديدة في الحيز الترددي 2600 بتقنية TDD، على مرحلتين، ضمن جهود تعزيز جودة خدمات الاتصالات. حيث فازت شركة فودافون مصر بالنطاق الأكبر (2×20 ميجاهرتز) بقيمة 540 مليون دولار، بينما حصلت الشركة المصرية للاتصالات على النطاق الثاني (2×10 ميجاهرتز) مقابل 305 مليون دولار. في المرحلة الثانية، فازت شركة اتصالات مصر بالنطاق المتبقي (2×10 ميجاهرتز) بقيمة 325 مليون دولار. وبذلك، بلغ إجمالي قيمة الطرح 1.17 مليار دولار، مما يعكس التزام الحكومة بتطوير قطاع الاتصالات. كما قام الجهاز بتخصيص ترددات جديدة لشركة اورنج مصر بعرض 30 ميجاهرتز في الحيز الترددي 2600 بنظام TDD مقابل 440 مليون دولار

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً