في الوقت الذي أبدت فيه الإدارة الأمريكية تفاؤلًا حيال آفاق النمو الاقتصادي، تجلى ذلك في تصريحات وزير التجارة هاوراد لوتنيك، الذي دعا الأمريكيين إلى عدم القلق "مطلقًا" من احتمالية الركود، جاءت تحذيرات من خبراء الاقتصاد لتقدم صورة أكثر قتامة عن الوضع الاقتصادي.
من بين هؤلاء الخبراء، مارك زاندي، كبير خبراء وكالة "موديز" العالمية، الذي أشار إلى أن مستويات انعدام اليقين الحالية توازي تلك التي شهدها العالم خلال أحداث 11 سبتمبر والأزمة المالية العالمية في عام 2008، مما يعكس تباينًا واضحًا بين التوقعات الرسمية والرؤى الاقتصادية المستقلة.
وقالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية - في تحليل موسع لها - إن مقارنة كبير الاقتصاديين في وكالة "موديز" العالمية للتقييم، مارك زاندي، تدعو للقلق وتطلق أجراس الخطر، ولاسيما إذا ما استدعينا تصريحات سابقه له قال فيها إنه يشعر أن البلد "تُدفع إلى الركود دفعاً" عبر سياسات التعريفات الجمركية لدونالد ترامب.
ورصدت المجلة الأمريكية خمسة مؤشرات رئيسة رأى هؤلاء الخبراء أنها قد تؤدي إلى ركود الاقتصاد الأمريكي ؛ أولها، مؤشر "ثقة المستهلك"، الذي يعد أحد أهم المعايير المهمة الدالة على عافية البلاد الاقتصادية ومستوى المعيشة، إذ أن شيوع التفاؤل إزاء اقتصاد الدولة والتمويلات الشخصية يترجم في صورة إنفاق استهلاكي، وهو ما يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ولفتت المجلة إلى أن "مؤشر ثقة المستهلك"، الصادر أخيراً عن "مجلس المؤتمرات"، شهد تراجعاً بواقع 7.2 نقطة ما بين فبراير ومارس، مسجلاً رابع تراجع شهري على التوالي، ليضع المؤشر عند أدنى مستوياته منذ يناير 2021.
كما أن توقعات المؤشر - التي تقيس توقعات المستهلكين إزاء الأوضاع الاقتصادية على الأجل القصير - منيت بتراجع حاد مسجلة 62.2 نقطة، وهي أدنى قراءة منذ 12 عاماً، وتقل كثيراً عن عتبة الـ80 نقطة التي يقول "مجلس المؤتمرات" إنها "عادة ما تشير إلى أن الركود آتٍ."
أما المؤشر الثاني فهو "معدلات تأخر سداد بطاقات الإئمان والتخلف عن السداد"، وتشير المجلة إلى أن ديون بطاقات الإئتمان في الولايات المتحدة بلغت حداً قياسياً مسجلة 1.2 تريليون دولار في الربع الأخير من عام 2024، وتشكل حالياً نسبة 6 % من إجمالي الدين الأمريكي البالغ 18 تريليون دولار .. وزاد معدل التخلف عن السداد في القطاع الخاص بنسبة 5.7 % خلال فترة الأثنى عشر شهرا الأخيرة حتى فبراير الماضي، مقابل 5 % في يناير.
وتتطرق المجلة إلى معيار الركود الثالث وهو "مؤشر انعدام اليقين" الذي يصدره "الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة" (إن إف آي بي)، الذي سجل ارتفاعاً كبيراً في فبراير الماضي، ليصل إلى 104 نقاط، وهي ثاني أعلى قراءة له منذ عام 1973.. وسجلت نسبة المشاركين الذين اعتبروا أن الوقت مناسب للتوسع في أعمالهم، أقل مستوى شهري لها منذ أبريل 2020.
كما أن نسبة ملاك المشروعات - الذين يتوقعون تحسناً في الاقتصاد - هبطت في فبراير إلى 37 %، منخفضة بـ10 نقاط مئوية مقارنة بشهر يناير .. وعلى صعيد تكلفة العمالة - التي تعد أحد أهم القضايا الضاغطة بالنسبة لأصحاب الشركات - ارتفت بثلاث نقاط مئوية لتصل إلى 12 %، لتقل قليلاً عن المستوى القياسي لهذا المعيار المسجل في ديسمبر 2021 حين بلغ 13 %.
أما المعيار الرابع فيتمثل في "مؤشر انعدام اليقين في السياسة التجارية"، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المعيار السابق، وقد ارتفع بصورة كبيرة تزامناً مع الإدارة الأمريكية الجديدة في 2025، مسجلاً مستويات لم يشهدها منذ 2019، حين كانت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ذروتها، حسب "بنك الاحتياط الفيدرالي" في سانت لويس.
وتأتي المجلة إلى المؤشر الأخير للركود حيث "توقعات التضخم"، والذي تقول عنه "نيوزويك" بأنه لايزال يشكل معضلة كبيرة تأتي في المركز الثاني بعد "جودة العمل" .. وتستشهد المجلة بتقرير مارس لـ"بنك الاحتياط الفيدرالي" في ولاية أتلانتا، الذي كشف أنه بينما زادت توقعات نمو المبيعات خلال عام مقبل في الأشهر الأخيرة، فإن الشركات "لازالت أكثر تشككاً بشأن مستقبل نمو المبيعات بأكثر مما كانت عليه أثناء وباء كورونا."
ورغم أن توقعات التضخم كشفت وجود بعض دلالات التحسن والاتجاه صوب هدف مجلس الاحتياطي الفيدرالي عند 2 %، فإن الثقة منخفضة في إمكانية استمرار ذلك.. وتقول "جامعة ميتشجان" إن توقعات التضخم لعام مقبل ارتفعت من 4.3 % في فبراير إلى 4.9 % في مارس، لتسجل بذلك أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
وتختم المجلة تحليلها الموسع قائلة إن الركود يُعرّف بأنه انكماش اقتصادي يستمر لربعين متتاليين، وتراجع في التوظيف.