يخضع المبنى الادارى لشركة قناة السويس 'القبة' حاليا لاعمال ترميم معمارية وإعادة تأهيل، ويعتبر من أبرز العلامات العمرانية التراثية المميزة لمدينة بورسعيد، بوابة قناة السويس الشمالية كما يعد أول الأشياء التي تتبادر للذهن عند ذكر القناة و اسم بورسعيد، تحمل كل تاريخ العابرين إلى هذه البقعة الساحرة من مصريين و فرنسيين و يونانيين وانجليزيين و إيطاليين، و كل أجناس البحر المتوسط.
التقت أهل مصر مع طارق إبراهيم مدير عام الآثار ببورسعيد وبحيرة المنزلة ليكشف لنا لأول مرة تاريخ مبنى قناة السويس 'القبة' و ما لا يعرفه أبناء بورسعيد عن هذا التاريخ.
المبنى القديم الواجهة الشمالية المطلة على حوض التجارة
وبدأ مدير الاثار حديثه قائلا: إذا تقرر أن الثغور مرآة تنعكس عليها صورة ما فى البلاد من مدنيات فى مرافقها و معالمها ، كان وجود مبنى القبة أو الدار البيضاء كما أطلق عليه مؤرخ مدن القناة فؤاد فرج، الزم ما يكون ليظهر الثغر فى مظهره الأهلى اللائق به، وعليه جاء المبنى الإدارى لشركة قناة السويس أحد أبرز العناوين بين منشآن مدينة بورسعيد بل الاهم و الأشهر بين المبانى التى أقامتها الشركة العالمية لقناة السويس في مدن القناة، ويمكن القول عنه أنه المبنى التاريخي الرئيسى لمكاتب و إدارة شركة قناة السويس ببورسعيد، حيث كان و مازال يستخدم لمتابعة حركة السفن المارة بالقناة ويشرف بشكل مباشر على الشاطىء الغربي للقناة فى مواجهة السفن العابرة للمجرى الملاحي ذهابًا و ايابًا عبر مجرى القناة.
وأضاف إبراهيم أنه أقيم هذا الصرح الشامخ ليكون المقر الرئيسى للشركة العالمية لقناة السويس و لقد جاءت فكرة بنائه نتيجة لمتطلبات عامة فرضتها ظروف العصر و متغيراته الحديثة التى أملت على الشركة إدخال هذا النوع من المباني لزوم صياغة وتحديث الهيكل الإداري بها، والمبنى يواجه السفن و القادم من جهة الشمال كحصن معبر و كمدخل رئسى للثغر الوليد، وتبدو القوة المعمارية التى تنبع منه كام مردها إلى وضوح التكوين و حجم مقاييس البناء.
المبنى الخشبى القديم للواجهة الشرقية المطلة على القناة
ومن جهة أخرى، حاول المعمارى أن يستغل بعض مفردات و عناصر العمارة الإسلامية المشرقية التى جاءت على المبنى واضحة و صريحة كالقباب يكسوها بلاطات القاشانى، تشير الى مدخل القناة و البائكة ذات العقود المخموسة التى تدور بواجهات المبنى للوصول الى الطابع الشرقى المميز الذى أضفى على المبنى طابعا من الفخامة و الجمال.
و تابع مدير آثار بورسعيد، أن اختيار ميناء بورسعيد ليكون المقر الإدارى والرئيسى للشركة كان مرجعه وقوع الميناء على المدخل الشمالى للقناة، إضافة إلى تطوير الميناء بشكل سريع حتى غدا الممر الرئيسى لتجارة العالم العابرة بين الشرق و الغرب و ملتقى الاجناس البشرية من مشارق الأرض و مغاربها فضلا عن إعادة قناة السويس البحر الاحمر كمجرى رئيسى للتجارة الدولية العابرة و عليه جاء موقع البناء من اهم، و أبرز عناصر التكوين حيث راعت الشركة حسن الاختيار و المواءمة التامة لطبيعة عمله و تصميمه كأكبر منشأة إدارية لها فى مدن القناة و بها المقر الرئيسى الأعلى للشركة العالمية بمصر.
المبنى الادارى لهيئة قناة السويس 'القبة'الموقع
يقع المبنى فى حى الشرق فى نهاية شارع الجمهورية السلطان عثمان سابقا و بداية شارع مصطفى كامل و اجهورن سابقا و المبنى محاط بالماء من ثلاث جهات، الواجهة الشرقية تشرف على المجرى الملاحى للقناة و من الجهة الشمالية نجد حوض التجارة أما الجنوبية فتشرف على حوض الترسانة و شريف و يتمتع الموقع بمميزات عمرانية و سياحية و ثقافية هامة و ذلك لما يحيطه من مبان اثرية و تراثية و اطلالته على أحواض القناة.
الانشاء
و أكد مدير آثار بورسعيد أنه شرع فى تشييد هذا الصرح بداية من عام 1890م و ذلك عندما اتخذت الشركة العالمية لقناة السويس للملاحة البحرية القرار ببناء مبنى إداري جديد لها ببورسعيد عوضا عن المبنى الخشبى القديم، وفي الموقع نفسه على الناصية الفاصلة بين حوض التجارة و حوض الترسانة فى الجهة الغربية من القناة و قد وقع اختيار الشركة على المعمارى الباريسى شارل مارتن ليقوم بوضع الدراسات الخاصة بتصميم المبنى الجديد و أثر قرار الشركة اتجه المعمارى إلى مصر لدراسة و تصميم بعض المشروعات الإنشائية الخاصة بالشركة.
و تابع: أنه في الخامس عشر من شهر ديسمبر عام 1891 قدم المعمارى شارل مارتن ملفا كاملا بمشروعه لاقامة الذى سيقام على مساحة 2230م2 و الذى سيتكون من ثلاثة طوابق يعلوه ثلاث قباب ، القبة المركزية وهى الوسطى و قبتان جانبيتان قائمة على هياكل معدنية من الحديد يكسوها و يزخرفها من الخارج بلاطات خزفية، و فضلت الشركة التعاقد مع شركة مقاولات ادمون كوانيه للكتل الخرسانية للقيام باعمال البناء فى 3 مارس عام 1891 دون طرح المشروع فى مناقصة بين شركة المقاولات الفرنسية الاخرى.
المبنى الادارى لهيئة قناة السويس 'القبة'
واتخذت الشركة الخطوات نحو الشروع فى بداية البناء فى الأول من مايو عام 1893 و على إثر وفاة المعمارى شارل مارتن فى أول أبريل عام 1893 أقترح المقاول ادمون كوانيه على رئيس الشركة أنه من الأفضل الاعتماد على الأسقف المصنوعة من الخرسانة المسلحة عوضًا عن الخشبية أعلى العقود فى الوجهات لتحل محلها أسقف من الخرسانة المسلحة ببقية البناء من الداخل و وافق مجلس ادارة الشركة على ذلك. وذلك على الرغم من من رحيل المهندس المعمارى فان تصميم القباب لم يجر عليه التغير سواء فى الهيكل المعدنى الداخلى او فى التكسية بالبلاطات الخزفية و قد استغرق البناء عامين بواسطة شركة ادمون كوانيه و تحت اشراف كبير مهندسى الشركة بالإضافة لعدد كبير من البنائين المصريين و الايطاليين و الفرنسيين و غيرهم من جنسيات اخرى و تم تسليم المبنى للشركة فى 28 يوليو عام 1895 و ظل المبنى تحت الاختبار و التليم النهائى كان فى عام 1920.
وأشار ابراهيم انه الحقت بالمبنى استراحة لكبار الزوار نزل بها عام 1911م الخديوى عباس حلمى الثانى و الملك جورج الخامس كما تخذه استكويل قائد القوات البريطانية اثناء العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد مقرا له قبل أن يتم جلاؤهم عن مصر فى 18 يونيه عام 1956 كآخر قاعدة لبريطانيا فى منطقة القناة.
و تعاقب على إدارة الشركة العالمية لقناة السويس من هذا المقر خمسة رؤساء من الاجانب بداية من افتتاحه فى عام 1895 حتى تأميم القناة عام 1956 لم يكن بينهم فرديناند ديليسبس صاحب التوقيع على المشروع فجاء جول جيشارد عام 1894 – 1896 ' اول من ادار الشركة من خلاله ثم البرنس اوجست البريك 1896 – 1931 ، ثم شارلز جونارت 1913 01927، ثم لويس دى فوجيه 1927-1948، و كان اخرهم فرانسوا شارلز زوكس 1948- 1956 و ياتى الدكتور حلمى محمد بهجت فى المركز السادس كأول مصرى ضمن قائمة مديرى الشركة و رؤساء هيئة قناة السويس الذى تولى المنصب لمدة عام.
المبنى الادارى لهيئة قناة السويس 'القبة'
الوصف المعمارى
اتسم المظهر العام للمبنى بالتماثل و الانسجام و اتبع فى عمارته طرق و اساليب النهضة الاوربية الحديثة اذ يتكون من من طابق تحت مستوى الارض و طابقين فى جناحيه و ثلاثة طوابق اعلى الطابق المرتد فى ساق المبنى يعلوها قبة مركزية وسطى و قبتان جانبيتان و هى من السمات المعمارية التى ظهرت فى العمارة البيزنطية و تم احياؤها فى الطراز الكلاسيكى و طراز عصر النهضة الفرنسى
و يعد مبنى القبة واحدا من اهم الامثلة التى ظهرت بها تأثيرات طراز عمارة النهضة الاوربية الحديثة بصفة خاصة فى فرنسا و بريطانيا سواء من حيث التخطيط و العناصر المعمارية او الوحدات الزخرفية
غلب على عمارة المبنى طراز عصر النهضة الفرنسى المستحدث ، و المبنى حين وضع تصميمه و تخطيطه المهندس الفرنسى شارل ماريت و قام على تشييده المقاول الفرنسى ادمون كونيه و اشرفت على التنفيذ ادارة هيئة قناة السويس برئاسة فرديناند ديليسبس لذلك جاء لمبنى على نسق المبانى الفرنسية مثل مبانى الطراز الامبراطورى الثانى ذات طراز عصر النهضة المستحدث و مبانى الجمهورى الثالث التى شيدت على نمط طراز النهضة و الباروك الجديد.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
