الإعلام الهادف في هذا الزمان عملة نادرة، فالممسك بالمهنية فيه كالماشي على حبل مشدود، لكن يتميز هؤلاء بأنهم يُشار إليهم بالبنان، ويعرفهم الناس في ظل وجود مئات الإعلاميين بما يقدمونه ويطرحونه من أفكار وقضايا.
من هؤلاء، ولا أُبالغ لو قلت على رأسهم الإعلامي طارق عطيتو، صاحب برنامج "فضفضة" براديو ميديا.
تابعت عدة حلقات للبرنامج فرأيت فيه إعلاميًا مهنيًا قادرًا على المحاورة والغوص في التفاصيل بسلاسة، فقلت هذا الرجل يقدم الإعلام الذي نحتاجه.
مؤخرًا شاهدته يحاور أحد اكتشافات الفنان محمد صبحي أستاذ المسرح العربي والمصري، وهو الفنان محمد سعيد الشهير بـ"هابي"، فوجدته رجلًا يُقدر الفن الهادف، ويُعطي له حقه، يعرف قدر الضيف وقدر قدوته، ويعطي كل ذي موهبة حقه دون مبالغة أو تهويل.
طارق عطيتو يعرف كيف يستخرج الجواهر ودرر الكلام من قلب ضيفه، فأحاديثه وحواراته تلامس القلب، ويخلق حوارًا إنسانيًا يجعل به الضيف كتابًا مفتوحًا دون أن يحرجه أو يتقوّل عليه.
"عطيتو" عملة نادرة جدًا، واستثمارها عملية مضمونة النجاح، لذلك هنا لا بد أن نشيد بالأستاذ المتميز أحمد مجدي، مدير راديو ميديا، الذي يعرف من هو "عطيتو"، لذلك يتمسك به فلا يعرف قدر الجواهر إلا الجواهرجي الشاطر، وليس هناك جواهرجي إعلام أفضل من أحمد مجدي فهنيئًا لراديو ميديا أحمد مجدي وطارق عطيتو.
أعود مرة أخرى إلى الحوار الذي أطربني وأسعدني بين "عطيتو" والفنان محمد سعيد "هابي"، الذي وجدت فيه توصيفًا دقيقًا للفنان محمد سعيد على لسان طارق عطيتو، وكيف استطاع أن يستخرج الكلام الإنساني الذي تطمئن أنه سيصل إلى كل بيت من الضيف، فلم يبحث عن إثارة الجدل، بل بحث "عطيتو" عن الإنسانيات والفن والمعاني الجميلة التي أصبحنا نفتقدها في إعلامنا.
في الحوار استطاع "عطيتو" أن يقدم خريطة أو روشتة لمن يبحث عن الاكتشاف الفني الأمين والدقيق والعادل عبر استعراض طريقة اختيار الفنان محمد سعيد "هابي" للعمل في أحد أعمال الفنان الكبير محمد صبحي، ومشاركته في أحدث أعماله "عيلة اتعملها بلوك"، عبر استعراض المسابقة والاختبارات التي أعلن عنها الفنان محمد صبحي على صفحته، كما أوضح للجمهور أن الأمر فنيًا لا يحتمل المجاملات والفنان محمد صبحي لا يعرف المجاملات فالفن عنده موهبة موجودة أو "مش موجودة"، كما سلط الضوء على كيف أن الفنان محمد صبحي استطاع أن يكتشف جزء التمثيل في شخصية محمد سعيد هابي، فحوله من عازف ومغني لممثل لدور كفيف أبدع فيه لدرجة أن من شاهدوا المسرحية اعتقدوا أنه كفيف في الحقيقة.
ما كان لنا أن أعرف كل هذا لولا أن هناك إعلامي قادر على إدارة الحوار مهنيًا وإنسانيًا هو طارق عطيتو.
لم يترك "عطيتو" جانبًا في موهبة محمد سعيد إلا وتحدث عنه، تحدث مع محمد سعيد المطرب ومحمد سعيد الممثل ومحمد سعيد العازف محمد سعيد "السعيد" باكتشاف الفنان القدير محمد صبحي له، لذلك ليس غريبًا أن تشعر أنه يُحاور 4 شخصيات في وقت واحد.
كما استطاع المحاور أن يكشف للجمهور عن نوعية الفن الذي يقدمه "سعيد" للجمهور حينما سأله عن الأغاني التي يفضلها فكانت إجابته في أغنيتين "قل للمليحة" و"لسه فاكر"، وهنا انتزع "عطيتو" من ضيفه عقليته الفنية وقدمه للجمهور أن ينطق بكلمة أو حتى يستنطق ضيفه ليقدمه للجمهور بل ترك الفن يتحدث وهو الأصدق تعبيرًا.
لم يكتف المحاور هنا بمجرد أسماء الأغاني، بل وضع ضيفه في اختبار عملي بأن طلب منه أن يُغني للجمهور ومرآة الجمهور لا تكذب أو تتجمل، ليقول لهم: أنا احترم جمهوري، وليس غريبًا أن يُبدع الفنان محمد سعيد في الغناء، لأنه بالفعل فنان، وهناك شهادة أعطاها له أيضًا طارق عطيتو أنه فنان، لأن عين "عطيتو" الفنية ثاقبة ولا يمكن أن يستضيف أشخاصًا لمجرد المجاملة.
الجانب الإنساني في الفنان محمد سعيد قدمه المحاور طارق عطيتو، بأن سأله عن علاقته بأبطال المسرحية، فكانت الإجابات عذبة إنسانيًا يستحقها البرنامج وطارق عطيتو وفي القلب منهم الأستاذ أحمد مجدي مدير راديو ميديا.