اعلان

طارق متولي يكتب: تصحيح مسار التعليم في مصر

طارق متولي
طارق متولي
كتب : أهل مصر

دائما ما نسمع مقولة ان المصريين لا يعملون ولا يلتزمون بالعمل ولا يتقنون عملهم مما يؤخرهم كثيرا عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم ويجعلهم في ذيل المجتمعات المنتجة العاملة .هل هذا الكلام حقيقي ام انه نوع من جلد الذات والمبالغة؟ الحقيقة ان هذا الكلام حتى لو كان به شيئا من المبالغة وعدم الصحة إلا انه أيضا به شيئا من الحقيقة .

ولكي نعرف بدقة صحة هذا الكلام من عدمه لابد أن نراجع مراحل نشأة وحياة الفرد فى مجتمعنا. قبل ظهور المدارس والتعليم الرسمى فى البلاد فى عهد أسرة محمد علي كان التعليم قاصرا على الكتاتيب لتعليم القرءان الكريم والسلوك والتهذيب ضمنا لبعض الوقت ثم تعلم الحرف المختلفة بعد سن البلوغ وبداية الفتوة فكان الفرد منتجا في هذه الحالة يعمل في سن مبكرة ويعتاد على العمل مما يؤهله لتحمل المسؤولية فى سن مبكرة أيضا.عند بداية ظهور المدارس النظامية المختلفة فى عهد محمد علي نلحظ انها كانت معظمها ان لم يكن غالبيتها مدارس صناعية وزراعية في البداية لأن الحاكم وقتها كان يريد إنشاء مصانع مختلفة للغزل والنسيج وصناعة السفن القطن والسكر وغيرها من الصناعات . لم يكن التعليم في هذا الوقت طويلا فقد كان يترواح بين ثلاثة او خمسة سنوات يبدأ بعدها الفرد فى العمل والإنتاج في سن مبكرة .

مع بداية ظهور العلوم الإنسانية وتوسع انشاء المدارس المختلفة وفي ظل الاحتلال الإنجليزى وظهور وسائل الإعلام الراديو وبعده التلفاز ولسبب ما تم الإشارة للحرف والحرفيين والصناع في بعض الصناعات والأعمال بنوع من الإذراء تغير نظام التعليم ليصبح كما هو عليه الآن ستة سنوات تعليم ابتدائي وثلاثة اعدادي وثلاثة ثانوى وأربعة او خمسة في الجامعة ليصبح وقت التعليم والإعداد طويلا جدا الأمر الآخر انه أصبح مع هذا الوقت الطويل تعليم نظرى فقط مجرد تعلم وحفظ نظريات وأسس وقواعد. مع ما ذكرنا من قبل من موجة الإذدراء للحرفيين والصناع أصبح عدم الحصول على شهادة جامعية يعتبر نقيصة حتى لو كان الفرد يجيد صنعة ويحقق نجاح فيها وتم تقسيم المجتمع العامل إلى طبقات موروثة طبقة الباشوات والبكاوات والأفندية وفى ذيل القائمة العمال والصنايعية فتطلع غالبية الناس لإرسال ابناءهم للمدارس وبذل الجهد لكي يحصلوا على الشهادة الجامعية ليرتقوا إلى طبقة الأفندية والبكاوات .اذكر ان ابي عندما كان يحثنى على المذاكرة يقول لي عايز تطلع ميكانيكي او نجار حينها كنت طفلا لا أدرك أبعاد المسألة لكن بمجرد النظر لصبي الميكانيكي او النجار الذى يبدأ حياة تعلم الصنعة وملابسه المتسخة وسوء معاملة المعلم او صاحب الورشة اجتهد فى المذاكرة لأبعد عن هذا المصير .

يظل الأهل يوفرون لأبناءهم المعيشة ومصاريف التعليم المختلفة ويعانون الأمرين طوال هذه الرحلة الطويلة من التعليم النظري حتى يصل الابن او الابنة لسن الثانية والعشرون او الخامسة والعشرون في بعض الحالات ليحققوا الشهادة الجامعية دون اى ممارسة للعمل وبكتشفوا بعد ذلك عند انتهاء الدراسة انهم لم يعتادوا على العمل اعتادوا فقط على القراءة وربما البحث والنظريات أصبحوا افندية وبكاوات لايجيدون العمل اليدوي او العمل الشاق فيبحث كل واحد منهم عن عمل يتماشى مع تكوينه الشخصي والنفسي الذى نشأ عليه عمل نظري ليس فيه مشقة جسدية كما اعتاد في تنشئته فلا يجد عملا مريحا او مربحا وحين تضطره الظروف للعمل في أعمال أخرى تحتاج جهد ومشقة فإنه يتعثر وبتخبط وقليل ما يستمر وينجح .

من شب على شىء شاب عليه فإذا شب المرء على الكسل وعدم الجد والعمل فإنه سيكون من الصعب عليه ان يعمل بجد واجتهاد حين يكبر .هذه ليست دعوة لعدم التعليم والتعلم ولكن دعوة لمراجعة كيفية التعليم والتعلم من اجل ان ننشأ أجيال قادرة على العمل .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً