في صيف عام 2011، انتقلت للعمل في صحيفة الدستور بعد أن شهد الوسط الصحفي انتقالًا في ملكية الصحيفة، ولا تزال أسبابه الحقيقية مجهولة حتى الآن. وإن كان مؤسس الصحيفة، وهو صحفي شهير اشتهر ببرامج تلفزيونية تستفز مشاعر الناس، قد استغله هذا الأمر لتعزيز مكانته كرقم صحفي، نجح بالفعل في تأسيس تجربة فريدة. وبعد أن نجحت، باعها ببراعة في ظروف قد تكشف الأيام القادمة عن تفاصيلها. ووجدت نفسي في ظروف غير مواتية في صحيفة تغرق في الفوضى خلال مرحلة الانتقال بين المالك السابق والمالك الجديد. وكان المالك الجديد هو رئيس حزب الوفد في ذلك الوقت، وقد دخل التاريخ من باب غير مشرف للأسف بعد أن تعرض لإهانة بالغة في ميدان التحرير، وهو الذي كان من المفترض أن يكون خليفة لسعد زغلول ومصطفى النحاس، ولكنه أفقد المنصب وقدره خاصة بعد أن وجهت إليه في فترة لاحقة تهم تتعلق بذمته المالية كرجل أعمال يعمل في مجال الدواء.
ومع هذه الفوضى اضطر رئيس حزب الوفد في ذلك الوقت لنقل ملكيته لصحيفة الدستور بشكل صوري لرجل يملك مدرسة شهيرة، ولكن لسوء الحظ فلم يقنع هذا الشخص بدور رئيس مجلس الإدارة، بل دس أنفه في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالتحرير، وعلى الرغم من أن الدستور في هذه الفترة الانتقالية حظيت برئاسة تحرير صحفي كبير وله تاريخ نضالي مثل الصحفي الكبير طلعت رميح، إلا أن رئيس مجلس الإدارة القادم من مدرسته الخاصة كان يصر على أن يكتب مانشيت الصفحة الأولى بنفسه ولم يكن يقتنع برأى فريق التحرير الذي كان يضم في ذلك الوقت صحفيا استثنائيا لم أرى مثله في الوسط الصحفي في ثوريته ونبله إلا الصحفي والمناضل الكبير هشام فؤاد، وأقصد بهذا الصحفي الثوري النيل الصحفي الكبير أحمد الشرقاوي، الذي جاء من خلفية تمزج بين الأيدلوجيا والبيئة الصلبة لأبناء الصعيد، فكان الصحفي الأسمر الثائر الذي يضحي حتى بوظيفته في الوكالة الصحفية الوحيدة المملوكة للدولة، ليدافع عن أفكاره، وهى نفس الأفكار التي قادته للسجن والاعتقال وهو طالب في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ضمن التنظيم الناصري المسلح، وتعرض الشرقاوي فعلا للمحاكمة، وكأن أقدار هذا الصحفي الأسمر الثائر لم تكن لتكتمل إلا بحصوله على حكم بالبراءة في حكم تاريخي نطقت به محكمة أمن الدولة التي كان من العادة أن تصدر أحكاما جائرة في هذا الزمان، ولكن لحسن الحظ فقد لحق بالصحفي الكبير الثائر منذ بدايته، وهو لا يزال طالباً في الجامعة، حكما تاريخيا بالبراءة بعد أن قررت المحكمة براءة جميع المتهمين بسبب تعرضهم للتعذيب وعدم اطمئنان المحكمة لما اعترفوا به .
وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر، تفجرت ثورة 25 يناير. وهي الثورة التي، رغم أنها خربت بيوت الكثير من الصحفيين الشرفاء، إلا أننا نحبها جميعًا. وكان من الطبيعي أن تجرف الثورة صحفيًا نبيلًا وشريفًا مثل الشرقاوي. وبحكم ذهنيته النضالية، كان من الطبيعي أن يفقد الشرقاوي منصبه ليس في الدستور فقط، بل في مصر كلها. ومع اندلاع الثورة، اضطررت إلى مغادرة مصر متجهًا إلى بنغازي في ليبيا. ومن بنغازي انتقلت إلى طرابلس لأكون مؤسسًا في وكالة أنباء التضامن، التي كانت أول وكالة تدخل مقر العزيزية بعد هروب معمر القذافي. وهناك خضت تجربة فريدة بين مجموعة من أشرف الناس وأنبل الصحفيين الذين قابلتهم في ليبيا. انتقل بعضهم بعد ذلك إلى دول أخرى، وعلمتهم وعلمتني الكثير مما لم أكن أتوقعه.