قال الدكتور إسلام جمال الدين، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إن قرار الحكومة بطرح الشركات العاملة في قطاع البترول في البورصة يُعد خطوة استراتيجية هامة في إطار خطط الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة. تأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية عديدة، مما يستدعي تحليل هذا القرار وتداعياته بشكل تفصيلي لفهم مدى فعاليته في معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية.
وأوضح في تصريح خاص لـ 'أهل مصر' أن فكرة طرح شركة ميدور، وهي أكبر مصفاة لتكرير البترول في مصر، تعتبر نموذجًا مهمًا لهذا التوجه الحكومي. تمتلك الهيئة العامة للبترول 80% من أسهم هذه الشركة، وهي من أبرز الشركات المرشحة للطرح في البورصة، خاصة بعد تنفيذ خطة توسعات كبيرة بتكلفة استثمارية بلغت 2.7 مليار دولار، مما رفع الطاقة التكريرية للشركة إلى 160 ألف برميل يوميًا، مما يجعلها استثمارًا جاذبًا للمستثمرين المحتملين.
وأضاف أن الهدف الحكومي من هذا الطرح هو تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية. من ناحية، يمكن أن يسهم الطرح في توفير موارد مالية مهمة للخزانة العامة للدولة، مما يساعد في تخفيف الضغط على الموازنة العامة. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي دخول المستثمرين الجدد إلى تحسين كفاءة إدارة هذه الشركات من خلال تطبيق معايير الحوكمة والشفافية المطلوبة في البورصة.
وتابع أن خطة طرح شركات البترول في البورصة تعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع لتطوير قطاع الطاقة في مصر، حيث يمر قطاع البترول بمرحلة تحول تتطلب استثمارات ضخمة لتحديث البنية التحتية وزيادة القدرة الإنتاجية. ويمكن أن يسهم الطرح من خلال البورصة في توفير التمويل اللازم لهذه الاستثمارات دون زيادة الأعباء على الموازنة العامة للدولة.
وأشار إلى أن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يعد من الأهداف الرئيسية لهذا الطرح، حيث يمكن أن يفتح وجود شركات بترول مصرية في البورصة الباب أمام تدفق استثمارات أجنبية جديدة، وهو ما قد يسهم في تحسين وضع ميزان المدفوعات وتعزيز احتياطي النقد الأجنبي. كما يمكن أن تساهم هذه الخطوة في تنشيط سوق الأوراق المالية المصرية وزيادة كفاءتها وفاعليتها.
ويتوقع الخبير الاقتصادي أن يؤدي طرح شركات قطاع البترول في البورصة إلى تحسين مستوى الشفافية والإفصاح في هذا القطاع الحيوي. حيث يتطلب الإدراج في البورصة الالتزام بمعايير صارمة في مجال الحوكمة والإفصاح المالي، مما يمكن أن يسهم في تحسين كفاءة إدارة هذه الشركات وزيادة قدرتها التنافسية.
وأشار إلى أن هناك تحديات هامة قد تؤثر على نجاح هذه الخطوة. من الضروري اختيار التوقيت المناسب للطرح في ظل الظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة، وخاصة التغيرات المستمرة في أسعار النفط العالمية وظروف الحرب في منطقة الشرق الأوسط. كما أن تحديد السعر العادل للأسهم يمثل تحديًا آخر، حيث يجب أن يحقق توازنًا بين مصالح الدولة ورغبة المستثمرين في تحقيق عوائد مجزية.
وأضاف أن التحديات المرتبطة بإعادة هيكلة الشركات قبل الطرح يجب أن تؤخذ في الاعتبار. فقد تحتاج بعض الشركات إلى تعديلات في هياكلها الإدارية والمالية لتتوافق مع متطلبات الإدراج في البورصة، وهو ما يتطلب وقتًا وجهدًا وتكلفة إضافية.
وأكد الخبير الاقتصادي أن طرح شركات البترول في البورصة لا يمكن اعتباره حلاً سحريًا للأزمة الاقتصادية التي تواجهها مصر، بل يجب أن يكون جزءًا من خطة إصلاح اقتصادي شاملة تتضمن إجراءات هيكلية لمعالجة التحديات الاقتصادية الأساسية.
وشدد على ضرورة وجود استراتيجية واضحة لاستخدام العائدات المتوقعة من الطرح، مؤكدًا أنه من الضروري توجيه هذه العائدات نحو مشروعات تنموية مستدامة تساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. كما يجب ضمان الشفافية الكاملة في عملية الطرح وحماية مصالح صغار المستثمرين.
واختتم أن تجارب دول مثل روسيا والبرازيل والنرويج في خصخصة شركات البترول وطرحها في البورصة تقدم دروسًا هامة. هذه التجارب تشير إلى أهمية التدرج في عملية الطرح، واختيار التوقيت المناسب، وضمان وجود إطار تنظيمي قوي لحماية المصالح الوطنية.
وأكد أن نجاح عملية الطرح يتوقف على عدة عوامل رئيسية: أولاً، وجود رؤية واضحة وخطة تنفيذية محكمة. ثانيًا، توفر البيئة التشريعية والتنظيمية المناسبة. ثالثًا، اختيار التوقيت المناسب للطرح لضمان تحقيق أفضل عائد ممكن.