في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، تأتي تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منتدى دافوس الاقتصادي لتثير العديد من التساؤلات حول تداعياتها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. ورغم أن بعض هذه التصريحات قد تبدو كإجراءات تهدف إلى تحفيز الاقتصاد، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يرون فيها مخاطر قد تؤدي إلى آثار عكسية على الأسواق العالمية، خاصة أنها سلطت الضوء على سياسات مالية قد تحمل في طياتها تأثيرات عكسية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
من بين أبرز هذه التصريحات، تلك التي تتعلق بتخفيض أسعار النفط من خلال تدخلات إدارية، وهو أمر يتناقض مع الآليات التقليدية لسوق النفط التي تعتمد على قوى العرض والطلب. كما طرح ترامب فكرة زيادة التعريفات الجمركية، وهو ما أثار قلقاً بشأن تصاعد الحروب التجارية بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين ودول الاتحاد الأوروبي. في حين قد تؤدي تهديدات ترامب إلى معاملة بالمثل من الدول المستهدفة، ما يزيد من التوترات التجارية ويخلق تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التقلبات المستمرة التي يشهدها السوق المالي العالمي.
في هذا السياق، يتساءل الخبراء عن كيفية تأثير هذه السياسات على الأسواق الناشئة ومدى قدرة الاقتصاد المصري على الاستفادة منها في ظل المتغيرات الدولية الراهنة، مع التركيز على ضرورة تبني سياسات نقدية واقتصادية مستدامة تضمن الاستقرار والتقدم في مواجهة الأزمات العالمية.
صرّح د. رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، أن التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منتدى دافوس الاقتصادي أثارت جدلاً واسعاً لما تحمله من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وأوضح الجرم أن التدخلات السياسية غير المدروسة قد تُحدث أثراً عكسياً على الاقتصاد، مشيراً إلى أن أسعار السلع العالمية، مثل النفط، تخضع لقوى العرض والطلب، ولا يمكن التحكم بها بقرارات سياسية مباشرة.
وأضاف الجرم أن التلويح باستخدام القوة الاقتصادية، مثل فرض استثمارات إجبارية أو تحديد أسعار النفط، يعكس نهجاً غير متوافق مع المبادئ الأساسية للاستثمار والتجارة الحرة. كما أشار إلى أن تخفيض أسعار الفائدة بقرارات إدارية، دون النظر إلى العوامل الاقتصادية الأخرى، قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض عوائد السندات الأمريكية، وضعف الدولار، مما يجعل الاقتصاد الأمريكي أقل جاذبية للمستثمرين.
وأكد أن هذه الإجراءات قد تؤدي أيضاً إلى ارتفاع أسعار الأصول وزيادة الديون على المدى الطويل، مشيراً إلى أن تهديدات ترامب بزيادة التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى حروب تجارية جديدة مع دول كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي بأزمة مالية جديدة تضاف إلى التحديات الحالية.
الانعكاسات على الاقتصاد المصري:
على الرغم من الآثار السلبية المحتملة لتصريحات ترامب على الاقتصاد العالمي، أشار د. الجرم إلى أن تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية، إذا تحقق، قد يكون فرصة لدعم الاقتصادات الناشئة، ومنها الاقتصاد المصري. فتخفيض الفائدة الأمريكية سيتيح للبنك المركزي المصري مساحة أكبر لخفض أسعار الفائدة محلياً، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويشجع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، خاصة في أدوات الدين الحكومية.
وأضاف أن هذه الخطوة ستدعم استقرار الاقتصاد المصري، الذي شهد مؤخراً تحسناً في مؤشرات رئيسية مثل ارتفاع الاحتياطيات الدولية إلى 47 مليار دولار، زيادة الصادرات إلى 40 مليار دولار، وارتفاع عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل ملحوظ.
من جانبه، صرّح د. محمد راشد، أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف، أن تصريحات ترامب تعكس تناقضات واضحة، خاصة فيما يتعلق بزيادة التعريفات الجمركية التي تتعارض مع هدف خفض التضخم. وأوضح أن هذه السياسات قد تؤدي إلى إجراءات مماثلة من الدول المتضررة، مما يُصعّد الحروب التجارية.
وأضاف راشد أن محاولات ترامب لخفض أسعار النفط ستواجه تحديات كبيرة بسبب ارتفاع تكلفة استخراج النفط في الولايات المتحدة مقارنة بدول الخليج. كما أن هذا الانخفاض سيصب في مصلحة الصين، باعتبارها المستورد الأكبر للنفط عالمياً، مما يعزز من قدرتها الاقتصادية، في حين يتضرر الاقتصاد الأمريكي.
قال محمد حليوة، خبير أسواق النفط، في تصريح خاص لـ'أهل مصر'، إن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في منتدى دافوس الاقتصادي حول تخفيض أسعار النفط قد تحمل تداعيات سلبية على الأسواق العالمية، خصوصًا في ظل الآلية التي يعمل بها سوق النفط العالمي. وأوضح حليوة أن السوق النفطي لا يمكن أن يتأثر بشكل كبير من خلال قرارات سياسية أو إدارية، بل هو خاضع بشكل أساسي لقوى العرض والطلب، معبرًا عن قلقه من أن تدخلات ترامب قد تخلق اختلالات في هذا التوازن، مما يؤدي إلى تقلبات أكبر في الأسعار على المدى الطويل.
تخفيض أسعار النفط: تأثيرات عكسية
وأضاف حليوة أنه على الرغم من أن ترامب يسعى إلى خفض أسعار النفط في محاولة للحد من التضخم داخل الولايات المتحدة، إلا أن هذا النوع من التدخلات لن يكون فعالًا في خفض الأسعار بشكل مستدام. وأشار إلى أن أسعار النفط تخضع لحسابات معقدة تتعلق بكميات الإنتاج والطلب العالمي، وأن تخفيض الأسعار بشكل مفاجئ عن طريق قرارات سياسية يمكن أن يؤدي إلى تدهور السوق، ويخلق مشكلات كبيرة على المدى البعيد.
وأوضح أن التدخل المباشر في أسواق النفط قد يضر بالاقتصادات التي تعتمد على إنتاج النفط، مثل الولايات المتحدة، التي تواجه تكاليف إنتاج أعلى مقارنة بدول الخليج. وإذا انخفضت الأسعار، فإن الشركات الأمريكية المنتجة للنفط قد تجد نفسها في موقف صعب، مما سيؤدي إلى تقليص الأنشطة الإنتاجية في هذا القطاع الحيوي.
التأثيرات المحتملة على الاقتصادات الكبرى
وأوضح حليوة أن تخفيض أسعار النفط قد يعود بالفائدة على بعض الدول، مثل الصين، التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، والتي قد تستفيد بشكل كبير من انخفاض الأسعار. وأكد أن الصين قد تشهد تحسنًا في معدلات النمو الاقتصادي نتيجة لهذا الانخفاض، مما يضعف من تأثير سياسات ترامب الاقتصادية في مواجهة التحديات الداخلية.
وأشار حليوة إلى أن هذه السياسات قد تؤدي أيضًا إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى، مما يساهم في تقليل جاذبية الاستثمارات في السندات الأمريكية، وبالتالي يؤدي إلى تراجع التدفقات الاستثمارية إلى الولايات المتحدة.
تهديدات ترامب بزيادة التعريفات الجمركية
وفي سياق آخر، تناول حليوة تصريحات ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية جديدة على بعض الواردات، خاصة من الصين والاتحاد الأوروبي. وأكد أن هذه التهديدات قد تؤدي إلى تصاعد الحروب التجارية بين الدول الكبرى، ما يشكل تهديدًا للاستقرار الاقتصادي العالمي. وأضاف أن هذه الحروب التجارية قد تضع ضغوطًا إضافية على الأسواق العالمية، مما يؤثر على حركة التجارة ويدفع بالاقتصادات الكبرى إلى اتخاذ إجراءات مماثلة.
الانعكاسات على الاقتصاد الأمريكي
وأشار حليوة إلى أن السياسة التي يطرحها ترامب بشأن خفض أسعار الفائدة قد تؤدي إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة، نظرًا للاختلالات التي قد تطرأ على أسواق المال والأصول. ورغم أن خفض الفائدة يمكن أن يكون محفزًا للقطاع الاقتصادي في الأوقات المناسبة، إلا أن القيام بذلك في أوقات غير مناسبة قد يؤدي إلى زيادة الدين العام ويزيد من المخاطر على الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل.
الآثار على الاقتصادات الناشئة
على الرغم من الآثار السلبية المحتملة على الاقتصاد الأمريكي، أوضح حليوة أن هناك جانبًا إيجابيًا يمكن أن تعكسه هذه السياسات بالنسبة للاقتصادات الناشئة، مثل الاقتصاد المصري. وقال إنه إذا تم تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية كما هو متوقع، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليص الفائدة المحلية في الدول الناشئة، ما يدعم النمو الاقتصادي ويساهم في تحفيز الاستثمارات الأجنبية، خاصة في أدوات الدين الحكومية.
وأكد حليوة أن تصريحات ترامب في دافوس قد تحمل في طياتها فرصًا لبعض الدول، لكن في الوقت ذاته، فإن تدخلاته في أسواق النفط قد تكون لها تداعيات سلبية كبيرة على المدى الطويل. ويجب أن تأخذ السياسات الاقتصادية العالمية في اعتبارها توازن العرض والطلب في الأسواق المالية والنفطية، والتأكد من أن القرارات الاقتصادية تتماشى مع المتغيرات العالمية لتحقيق استقرار الأسواق في المستقبل.