سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج نموًا قياسيًا خلال عام 2024، لتصل إلى 29.6 مليار دولار، مقارنة بـ19.5 مليار دولار في 2023، بزيادة قدرها 51.3%، كما تضاعفت التحويلات في ديسمبر 2024 إلى 3.2 مليار دولار، مقارنة بـ1.6 مليار دولار في ديسمبر 2023، في أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وهذا الارتفاع اللافت أثار تساؤلات حول العوامل المحركة له، وتأثيراته على الاقتصاد المصري، فضلًا عن التوقعات المستقبلية في ظل استمرار الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها الحكومة.
إصلاحات اقتصادية أعادت الثقة: خبراء يوضحون التحولات المحورية
يرى الدكتور أحمد العزب، الخبير الاقتصادي، أن هذا النمو الكبير في تحويلات المصريين بالخارج يعكس استعادة الثقة في الاقتصاد المصري، خاصة بعد حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تم تنفيذها في مارس 2024.
ويوضح العزب أن أبرز العوامل التي ساهمت في هذه القفزة تشمل:تحرير سعر الصرف:
وفقًا لكمال، فإن تحرير سعر الصرف بشكل أكثر مرونة ساهم في تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، مما دفع المصريين في الخارج إلى تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية بدلًا من السوق غير الرسمي، وأدى ذلك إلى زيادة تدفق العملات الأجنبية عبر البنوك، ما عزز الاحتياطي النقدي لمصر.
تحفيز القطاع المصرفي لزيادة تدفقات العملات الأجنبية:
يوضح إيهاب رشاد الخبير الاقتصادي، أن البنوك المصرية قدمت حوافز جديدة للمغتربين، مثل ودائع بالدولار بعوائد مغرية، مما جعل الاحتفاظ بالأموال داخل النظام المصرفي المصري خيارًا أكثر جاذبية، كما تم تسهيل عمليات التحويل من الخارج إلى الداخل، وتقليل التكاليف المصرفية، ما شجع المصريين المغتربين على استخدام البنوك المحلية بدلاً من قنوات التحويل غير الرسمية.
الإصلاحات الضريبية وتحفيز الاستثمار:
وأكد الخبير الاقتصادي، أن الحكومة المصرية قدمت حوافز استثمارية جديدة للمصريين بالخارج، شملت تخفيف بعض القيود الضريبية على الاستثمار العقاري، وتمكين المغتربين من شراء وحدات سكنية واستثمارية داخل مصر بشروط ميسرة.
كما أطلقت الحكومة برامج لتمكين المصريين في الخارج من المساهمة في المشروعات القومية، مما عزز إقبالهم على ضخ أموالهم في الاقتصاد المصري.
أداء استثنائي في ديسمبر: ما الذي حدث؟
وأشار إلى أن تسجيل تحويلات المصريين بالخارج مستوى 3.2 مليار دولار في ديسمبر 2024، مقارنة بـ1.6 مليار دولار في نفس الشهر من 2023، لم يكن مجرد صدفة موسمية، بل جاء نتيجة عدة عوامل مترابطة، أبرزها:
- استقرار سعر الصرف وزيادة الثقة في القطاع المصرفي، مما دفع المغتربين إلى تحويل أموالهم للاستفادة من العوائد المحسّنة.
- زيادة الطلب على الاستثمار العقاري داخل مصر من قبل المصريين بالخارج، بعد طرح مشروعات جديدة بآليات تمويل جاذبة.
- التحويلات الموسمية خلال نهاية العام، حيث يقوم المغتربون بتحويل مبالغ أكبر لدعم أسرهم خلال موسم الأعياد والعطلات.
التوقعات المستقبلية: هل يستمر النمو في 2025؟
يتوقع الخبير الاقتصادي أن يستمر زخم التحويلات خلال عام 2025، مشيرًا إلى أن ثلاثة عوامل رئيسية ستحدد المسار المستقبلي لهذه التدفقات النقدية:
السياسات النقدية وسعر الصرف: إذا واصلت الحكومة تبني سياسة نقدية مرنة تحافظ على استقرار الجنيه المصري، فمن المرجح أن تستمر التحويلات بالنمو بمعدلات مرتفعة.
التوسع في الحوافز المالية للمغتربين: من المتوقع أن تستمر البنوك المصرية في تقديم منتجات مالية مخصصة للمصريين بالخارج، مثل شهادات ادخار بالدولار بعوائد جذابة، مما قد يعزز التدفقات النقدية أكثر.
تحسن بيئة الأعمال في مصر: إذا استمرت الحكومة في تقديم تسهيلات استثمارية جديدة، خاصة في العقارات والمشروعات الصغيرة، فإن ذلك يشجع المزيد من المصريين بالخارج على ضخ أموالهم في الاقتصاد المحلي.
ويعد الارتفاع القياسي في تحويلات المصريين بالخارج مؤشرًا قويًا على استعادة الاقتصاد المصري لجاذبيته، كما يعكس ثقة المصريين العاملين في الخارج في السياسات النقدية والمصرفية الجديدة، ومع استمرار الحكومة في تنفيذ إصلاحات إضافية، من المتوقع أن تظل هذه التحويلات رافدًا حيويًا لدعم الاقتصاد المصري وتعزيز استقرار النقد الأجنبي في السنوات المقبلة.