تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من القلق والتقلبات بسبب التصعيد المستمر في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من شركائها التجاريين الرئيسيين، وهذا التصعيد، الذي بدأ مع فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجموعة من الرسوم الجمركية على بعض السلع المستوردة، أثر بشكل ملحوظ على الأسواق المالية وخلق حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل الاقتصادي العالمي.
الرسوم الجمركية الأميركية وتأثيرها على الأسواق
في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية جديدة على السلع القادمة من المكسيك وكندا، حيث وصلت نسبة الرسوم إلى 25% على معظم السلع من المكسيك، و10% على واردات الطاقة من كندا، كما تم فرض رسوم بنسبة 10% على الواردات الصينية، وهو ما يشير إلى إمكانية تصعيد الصراع التجاري مع الصين. وقد لاقت هذه القرارات ردود فعل سلبية في الأسواق، حيث تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية بشكل حاد مع بداية تعاملات يوم الاثنين. المستثمرون كانوا في حالة من الخوف من أن تؤدي هذه الرسوم إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وزيادة التضخم، مما يبطئ النمو الاقتصادي.
ورغم هذه الخسائر الأولية، شهدت الأسواق انتعاشًا جزئيًا بعد تصريح رئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، التي أعلنت تعليق الرسوم الجمركية المفروضة ضد بلادها، هذا الإعلان ساهم في تهدئة الأوضاع قليلاً، وأدى إلى تقليص خسائر الأسهم الأميركية في اللحظات الأخيرة من اليوم.
تحركات الأسهم الأميركية
كانت الأسواق الأميركية قد بدأت تعاملات الاثنين بانخفاضات حادة. فقد تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 208 نقاط فقط أو 0.5%، مبتعدًا عن خسائره السابقة التي بلغت 665 نقطة. كذلك، انخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 0.9% بعد أن كان قد تراجع بنسبة 1.93% في بداية الجلسة، في حين هبط مؤشر ناسداك المركب بنسبة 1.3%.
هذا التراجع كان مدفوعًا أساسًا بتأثير الرسوم الجمركية على قطاعات مختلفة مثل قطاع السيارات. فقد شهدت أسهم الشركات الكبرى في هذا القطاع مثل جنرال موتورز وفورد تراجعًا كبيرًا، حيث هبطت أسهم جنرال موتورز بنسبة 5%، بينما انخفضت أسهم فورد بنسبة 4%. كما تأثرت أسهم شركات توريد قطع الغيار مثل أبتيف وأفري دينيسون بشكل كبير، في حين تراجعت أسهم شركات أخرى مثل نايكي ولولوليمون، اللتين تأثرتا أيضًا بإجراءات الرسوم الجمركية.
تأثير التصعيد التجاري على أسواق الطاقة
لم تقتصر تأثيرات هذه التوترات على أسواق الأسهم فقط، بل امتدت أيضًا إلى أسواق الطاقة. حيث ارتفعت أسعار النفط الخام الأميركي (WTI) بنسبة 1%، وسط مخاوف من اضطرابات في إمدادات النفط في أمريكا الشمالية بسبب الرسوم الجمركية الجديدة. هذه الزيادة في الأسعار تشير إلى وجود قلق متزايد بشأن الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، وما قد يصاحب ذلك من تأثيرات على أسعار الطاقة على مستوى العالم.
أسواق الأسهم الأوروبية
لم تكن الأسواق الأوروبية بمنأى عن هذه التقلبات، حيث تراجعت مؤشرات الأسهم الأوروبية الكبرى في نفس اليوم. فقد انخفض مؤشر داكس الألماني بنسبة 1.7%، بينما شهدت أسواق أخرى مثل لندن وباريس تراجعًا ملحوظًا نتيجة للمخاوف من التأثيرات السلبية لهذه الحرب التجارية على اقتصادات الاتحاد الأوروبي.
نظرة مستقبلية: ما الذي ينتظر الأسواق؟
في الوقت الذي تتسارع فيه التوترات التجارية، يترقب المستثمرون موسم تقارير الأرباح الفصلية للربع الرابع، والذي من المتوقع أن يلعب دورًا حاسمًا في تحديد اتجاهات الأسواق في الفترة المقبلة.
ومن المتوقع أن تعلن أكثر من 120 شركة ضمن مؤشر ستاندرد أند بورز 500 عن نتائجها، بما في ذلك شركات تكنولوجيا كبرى مثل ألفابت وأمازون وبالانتير، بالإضافة إلى شركات استهلاكية عملاقة مثل والت ديزني ومونديليز.
كما أن تقرير سوق العمل الأميركي الذي سيتم الإعلان عنه هذا الأسبوع سيزيد من حدة الترقب، حيث من المتوقع أن يقدم مزيدًا من الإشارات حول صحة الاقتصاد الأميركي وأثر الرسوم الجمركية على سوق العمل.
تظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين من أبرز المخاطر التي تهدد استقرار الأسواق المالية العالمية. ورغم المحاولات المستمرة لتخفيف حدة هذه التوترات من خلال التصريحات والقرارات السياسية، فإن الأسواق تبقى في حالة من التقلب المستمر، مما يزيد من تعقيد التوقعات الاقتصادية. ومع ذلك، يواصل المستثمرون مراقبة تطورات هذه الأوضاع عن كثب، حيث سيكون لتقارير الأرباح وبيانات سوق العمل دور كبير في تحديد مستقبل الأسواق في الأشهر القادمة.