لا أحد ينكر وقع تلك الفيديوهات الهيليودية ، مليونية المشاهدات التي طافت العالم من أقصاه إلي أقصاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يمنع صمت أبواق إعلامنا، تصاعد ألسنة الغضب، فتضاعف ما جمعته تلك المشاهد من تعاطف مع ضحايا بفعل الواقع وإن كانوا مخطئين.
وفي حضرة الصمت تناوب المغتصبون على جسد الوطن ، تناقلوها وهم شامتين، متلذذين بغنيمة لم يظفروا بها حتى في مشاهد فض اعتصام ميدان رابعة؛ أملاً في أن يصنعوا منها (فتنة سبتمبر)، يدعون لاسقاط النظام وهدم أركان الدولة .
وكأنه قدر هذه الأرض الطيبة أن يعيش أهلها مُعذبين، لا إلي هؤلاء ولا هؤلاء، مذبذبين لا يكادون يتلمسون للغد طريقا حتى يهيمون،
كَبَد الحياة لا يمَلون ، يمرضون ولا يتألمون، تضيق ذات اليد ولا يشتكون، عند ربهم محتسبون ، ما أصبرهم على البلايا، و ما أحوجهم لبشرى يهيم بها الوجدان هكذا يأملون، ولكن هيهات أن ينعمون.
ما نعلمه عن الرئيس عبد الفتاح السيسي جميعاً، سلامة النية ونظافة اليد، ولا شك في غايته وإن حاد التنفيذ عن نُبل مقصده، في سيادة دولة القانون، ولم يكن عمر بن الخطاب مبتدعا حينما أوقف حد السرقة في عام المجاعة رأفة بأحوال العباد والبلاد، وهو الفاروق أمير المؤمنين القائم على حدود الله.
ولا يخفى ما يعانيه الشعب هذه الأيام من تبعات أزمة عالمية، وجائحة شلت اقتصاده وأفرغت جيوب الميسورين فما بالك بالمعسرين، وارتفاع في اسعار الخدمات لم تقابله زيادة في الدخول قطعا هناك حلول كثيرة آخرها أن نضع العربة أمام الحصان
الغريب أن تلك المشاهد المؤلمة ومقاطع الفيديو المنتشره على السوشال ميديا، انتشرت انتشار النار في الهشيم، صنعت معظمها كاميرات رؤساء المدن والأحياء والمحافظين وضعوها على صفحاتهم احتفاءً بالإنجاز في الهدم حتى أن بعضهم التقط لنفسه صورة سيلفي مع الأنقاض التي صنعتها آلة الهدم بأيدي من شاركوا في جريمة البناء المخالف، ولو بغض الطرف .
طفلة تبكي سريرها و دميتها على أنقاض منزل أبيها، عائل يبكي ضعفه، وأسرة باتت تلتحف السماء أو يقضي نساؤها حاجتهم في العراء، مصابهم جميعا أكبر من وزرهم، ولو أنهم يجاسبون أمام ربهم على ما اقترفت أيديهم لوسعتهم رحمته .
نعم قانون التصالح في مجمله ، يحل كثير من المعضلات ويقنن أوضاع كثير من ملاك العقارات والراغبين في تحول النشاط الي تجارى ولكن ذلك كله لا يجب أن يكون على قدم المساواه مع مخالفات اخرى للطبقات الكادحة يجب أن يسبق فيها التخطيط وتوفير المسكن الملائم على التشريد و الهدد ، يجب أن يُسمع صوت من يتظلم أو يتضرر حتى لا يُستغل هؤلاء المذبوحون وقوداً للفوضى التي يتحينها المغرضون
لم لا وقد عبَرَت سفينةُ الوطنِ سنواتٍ عجافاً -محفوفةٌ بالمطامع و المخاطر و المكائد- رَوَتْها دماءُ شُهدائِنا الأبرار بين واقعٍ مهدودٍ و حلمٍ مفقودٍ منذ اندلاعِ ثورة 25 يناير 2011 وصولاً إلى 30 يونيو 2013 وما بعدها من نهوض اقتصادي ننتظر جميعا جني ثماره في وطن ننعم فيه بالأمن والأمان
أما وقد رسَوْنا إلى شاطئٍ ننعم فيه بالأمن و الاستقرار ، و إِذْ مُنُحنا استراحة محارب لالتقاط الأنفاس، سرعان ما تَحتَّم علينا همة النهوض لمعركة البناء و التعمير، التي يتسعُ مفهومها الضيِّق من الأرض و الحجر، إلى بناء الجهاز المناعي للعقل الفردي و الجمعي على حد سواء، فليسع بعضنا بعض حفاظا على استقرار هذا الوطن وصونا لسلمه الاجتماعي .
قولا واحداً ننحاز للبناء والإصلاح ، لا نؤيد دعاة الفوضى والخراب ولا ننساق خلف شعارات إسقاط النظام ، و نعلم أننا نمارس جلد الذات، و قد يكون في ذلك إضاعة للمستقبل في محاكمة الأمس، ولكنً أخشى أن نكون من هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي فيُبلَون بإعادته.