كانت الفترة من 1987 إلى 2011 من أكثر الفترات التي شهدت إصدارات صحفية في مصر، ولكن هذه الإصدرات لم تكن من خلال القوانين العادية التي تنظيم عملية صدور الصحف المصرية، بل من خلال باب خلفي اشتهر في هذا الوقت باسم الصحف القبرصية، وهى الصحف التي كانت تصدر بترخيص من وزارة الداخلية القبرصية بمجرد إخطار شركة يقوم به وسطاء بتكلفة زهيدة تتراوح بين 1000 جنيه إلى 5000 جنيه مصري في هذا الوقت، وكان بعض هؤلاء السماسرة يقومون بإهداء تراخيص الصحف مجانا على سبيل المجاملة أو حتى على سبيل الهدية في بعض الأوقات .
قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980
وحتى نكون منصفين فإن القانون في ذلك الوقت هوالذي فتح الباب لمثل هذه التراخيص القبرصية لإصدار الصحف، وعرفت هذه الظاهرة في هذا الوقت بظاهرة الصحف القبرصية واحيانا الصحف اللندنية، وسبب التسمية يرجع الي ان تراخيص الحصول علي اصدار وطبع هذه الصحف يأتي من قبرص ولندن عبر سمسارة يعملون في تسويق وبيع هذه التراخيص في مصر، فيستطيع المرء ان يحصل علي رخصة بإصدار صحيفة من قبرص، او لندن، بمبلغ لا يتجاوز المائتي دولار، وهي حيلة لجأ إليها البعض، للتغلب علي سياسة تقييد حرية إصدار الصحف للأفراد، حيث تتعامل هذه المطبوعات وفق قانون المطبوعات الاجنبية، وحتى نكون منصفين فإن ظاهرة الصحافة القبرصية أو الصحف التي كانت تصدر من قبرص لم تكن ظاهرة عشوائية أو ناشئة من فراغ، بل أن القانون المنظم للنظام لبيئة عمل الصحف الورقية في هذه الفترة كان يتضمن بابا خلفيا مفتوحا على مصراعية لظهور هذه الصحف، وهذا الباب الخلفي تمثل في بعض نصوص قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980 ليعطي الحق للأشخاص الاعتبارية في إصدار الصحف، التي كانت تسمح بإصدار تراخيص من الخارج لإصدار صحف، وظهرت بذلك صحف تفتقر في مجملها إلى الإمكانيات المادية والبشرية وربما الصحفية والمهنية في العاملين عليها ولم يتمكن أصحابها من تأسيس شركات مساهمة .
سماسرة الإعلانات وفواتير إدارات العلاقات العامة
وبدون أى مبالغة فإن هذه عدد الصحف القبرصية الذي صدر في هذه الفترة تجاوز الالاف، ويمكن أن نقول أن هذا العدد وصل لعشرات الالاف إذا أخذنا في الاعتبار الصحف التي كانت تصدر لمجرد تحصيل فواتير إعلانات يتم الحصول عليها عن طريق العلاقات الشخصية أو مجموعات الفساد باختلافها، والصحف التي كانت تصدر فقط في أيام الأعياد القومية للمحافظات أو صدور ملاحق إعلانية للوزرات ويقوم الموظفون القائمون على إدارات العلاقات العامة في المحافظات أو الوزرات بالتنسيق والاتفاق مع بعض سماسرة الاعلانات لإصدار عدد وحيد من صحيفة فقط لتحصيل فواتير تساوي كل الميزانية المخصصة للإعلانات في هذه المناسبات، مع فرض نشر تهاني للمحافظين والوزراء على المتعاملين والمستفيدين من هذه الجهات .
زمن صفوت الشريف والتنفيس والتعبير عن الرأى
وبطبيعة الحال فإن القائمين على إصدار هذه الصحف لم يكن لمعظمهم علاقة بالعمل الصحفي إلا ما يتعلق بجلب الإعلانات وتحصيل ثمنها، وكان من طبيعة الحال أيضا ان القائمين على هذه الصحف لم يكونوا يعطون أى اهتمام لقوانين الدول التي تمنحهم هذه التراخيص، لدرجة أني خيل لي في بعض الحالات ان كل هذه التراخيص غير حقيقية وإن لم تكن مزورة، وأن الجهات في مصر وفي الدولة التي تصدر هذه التراخيص كانت تسمح بتمرير طباعة وتوزيع هذه الصحف لأسباب مختلفة قد يكون من بينها خلق مناخ من التنفيس والتعبير عن الرأى في هذه الفترة ، أما ما أدهشني في هذه الفترة هو ما حدث عندما خاطبت وزارة الداخلية القبرصية، التي تصدر عنها نظريا هذه التراخيص وزارة الاعلام المصرية، وكان ذلك في زمن وزير الإعلام الراحل صفوت الشريف، بوقف طباعة هذه الصحف لأنها ببساطة لم تكن تلتزم بتوريد الضرائب المقررة على الإعلانات التي كانت تظهر في النسخ المطبوعة في هذه الصحف، وكانت المفاجأة أن .صفوت الشريف، الذي كان مطلق اليد والنفوذ في مصر خلال هذه الفترة، قرر أن تدفع وزارة الإعلام إجمالي قيمة الضرائب عن كل هذه الصحف .
تنظم تراخيص الطباعة لهذه الصحف داخل مصر
لكن بعد هذا الموقف قرر صفوت الشريف أن يضع قليلا الملح في العيون وخاطب وزارة الداخلية التي كانت تنظم تراخيص الطباعة لهذه الصحف داخل مصر من خلال اشتراط أن يكون لكل صحيفة رئيس تحرير مقيد في جداول نقابة الصحفيين، وهو ما تلقفته نقابة الصحفيين لتوفر وظائف للمئات أو حتي الالاف من اعضاءها الذين كانوا يعانون مثل غيرهم من تدني الدخل، فوضعت نقابة الصحفيين شرطا نقلته بالحرف من قوانين وزارة الصحة المنظمة لعمل الصيدليات، وذلك من خلال اشتراط ألا تزيد عدد الصحف التي يرأس تحريرها نفس الشخص عن صحيفتين اثنتين فقط، تماما مثل ما كانت وزارة الصحة تشترط ألا تزيد عدد الصيدليات التي يتولي إدارتها أى صيدلي عن صيدليتين اثنتين فقط، وهو ما فتح الباب لتوظيف الاف الصحفيين كروؤساء تحرير من الباطن لهذه الصحف، وكان كل ما يقومون به فقط هو الحصول على راتب شهري من ملاك الصحف القبرصية مقابل فقط وجود أسمائهم في أوراق التراخيص .