عرفته في ظروف مختلفة، كانت ابتسامته تسبق مهارته في صنعته التي لا اظن أني رأيت في حياتي شخصا أكثر مهارة فيها منه، عرفت إبراهيم محمد ندا، وهو سباك يقوم بأعمال السباكة بكل تفاصيلها، وأيضا كهربائي لا يتأخر عن إصلاح أى عطب يراه في الطريق العام حتي لو لم يطلب منه أحد ذلك أو يحاسبه عليه، لفت نظري بجملة بسيطة قالها لي قبل 9 سنوات عندما طلب مني أن استبدل سخان المنزل بسخان آخر موفر للكهرباء، وبرر ذلك بقوله ( عشانك وعشان البلد ) ، كانت عبارة ( عشان البلد ) هى ما لفت انتباهي لدرجة إني قررت أن أغور في أعماق هذا الرجل البسيط الذي يعيش بدون راتب أو معاش ويكسب رزقه يوما بيوم من عمله في السباكة، وفي نفس الوقت لديه خبرات ممتازة ومهارات يدوية متنوعة تجعل منه الجوكر الذي لا غني عنه في كل موقف معقد، وأكثر من هذا فأنا اكتشفت في صديقي الذي أفخر بصداقته إبراهيم ندا مهارات لا يتاجر بها بل يقدم خدماته مجانا بها لمن يحتاجها أو يطلبها، وعلى بساطته ورقة حاله إلا أن له قلبا يتسع لمصر كلها، هذا القلب الذي ألهمه مشروعه العبقري لتنمية القرية المصرية، يقول صديقي إبراهيم محمد على ندا : إن إصلاح القرية كفيل بإصلاح العالم، وليس مصر فقط، ببساطته وثقافته العفوية وضع ابراهيم ندا يده على الداء والدواء، وعرف ما لا يعرفه مثقفون مزعمون يحملون درجات علمية وشهادات لا يستحقونها، وبينما هؤلاء المثقفين المزعومين الذين خرج بعضهم من قرى ريفية يخلع عنه عباءة الريف ويتبرأ من أصوله الريفية، فإن إبراهيم ندا المثقف العضوي الحقيقي وليس المثقف الزائف مثل باقي مثقفي مقاهي وسط القاهرة، هو الشخص الذي أدرك بفطرة صحيحة أن القرية هى أساس المجتمع، وان فسادها هو فساد المجتمع، وبالمقابل أن إصلاحها هو صلاح للمجتمع .
إبراهيم ندا
مشروع ابراهيم ندا بين الراحل جودة عبد الخالق ورئيس وزراء مصر الأسبق إبراهيم محلب
مشروع ابراهيم ندا لاصلاح القرية يتركز على فكرة أن القرية بها إمكانيات كامنة لا يستفيد بها أحد، وأن هذه الإمكانيات بخلاف الموارد الطبيعة هي إمكانيات مستدامة وفي نفس الوقت إمكانيات ملك الجميع ولن تكلف أحد شيئا لإنها ببساطة موارد موجودة في كل قرية مثل المسجد والمدرسة والوحدة الصحية وحتي مقر العمدة أو شيخ البلد، ويشير ابراهيم ندا بأصابع الاتهام لنظام العمد والمشايخ ويعتبرها أحد أسباب الفساد في كل قرية، ويطالب أما بإصلاح هذه المنظومة الفاسدة أو استبدالها بمنظومة إدارية تعاونية وديمقراطية تكفل حسن تطبيق أفكاره عن التعاون والتكافل في كل قرية . هذا المشروع الذي قدمه ابراهيم ندا للخبير الاقتصادي الراحل الدكتور جودة عبد الخالق، وتكفل الدكتور جودة عبد الخالق برفعه للمهندس إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر الأسبق، بعد أن قرأ الدكتور الراحل جودة عبد الخالق كل ورقة في المشروع واقتنع أنه أمام خبير عفوي بالتنمية الاجتماعية، لكن الأهم من ذلك أن إبراهيم ندا هو المثال الكامل للمصري الوطني المخلص لبلاده ومجتمعه
مصر الغنية جدا في رؤية إبراهيم ندا وقاطرة التكافل الاجتماعي بين القرية والمدينة
وينطلق ابراهيم ندا في مشروعه من فكرة أساسية مفادها أن مصر دولة غنية جدا، غنية بموارد لا تنتهي ولا تنفذ، ويرفض ابراهيم ندا اي ادعاء بأن مصر فقيرة أو أن مصر ليس بها موارد تكفي أبناءها وتفيض علي حاجاتهم، أكثر من ذلك فإن إبراهيم ندا يعتبر أن التكافل الاجتماعي بين أبناء كل قرية هو بمثابة القاطرة التي تقود القرية لتوليد الثروة، وأن هذا الثروة قد تنتج ببساطة من الأفكار التي تتولد من تقارب الناس وتعاونهم وقبل ذلك من إصرارهم على النجاح وعلى تخطي عتبة الفقر المفروض عليهم
إبراهيم ندا الصانع الماهر و المثقف العضوي المتصالح والمندمج مع محيطه الإجتماعي
إبراهيم ندا في حقيقة الأمر ليس مجرد سباك أو كهربائي أو صانع ماهر متعدد المواهب، بل هو في حقيقة الأمر مثقف عضوي، وهو المثقف الذي نفتقده في مصر، وهو المثقف الذي يلتحم مع بيئته ومع مجتمعه المحلي ويحاول أن يبني في هذا المجتمع مستمدا من الموارد المحلية التي تحت يده عناصر وأدوات هذا البناء، وليس المثقف المتعالي الذي ينفر من مجتمعه لمجرد الظهور بمظهر المتعلم المتعالي على الآخرين الأقل منه تعليما، والمثقف العضوي هو المثقف الذي يقدم أفكارًا أو نظريات جديدة في المجتمع ويحولها إلى ممارسة اجتماعية ويشمل ذلك دعم فرص التوظيف لكل من يحتاج لوظيفة في المجتمع وتعزيز الحقوق الاجتماعية والثقافية لأفراد مجتمعه في السياق البسيط الذي يفهمه عموم الناس بدون مبالغة أو تقعير أو محاولة للظهور بمظهر المتعالي على من يعيش في محيطه الاجتماعي أو يحاول الاستفادة من الجهود التي يقدمها بشكل منفعي أو شخصي .
إن إبراهيم ندا في حقيقة الأمر، بشجاعته الاجتماعية وبإندماجه في محيط مجتمعه ، يقدم لنا نموذجا يفضح تجار الثقافة ودكاكين العمل العام، بما في ذلك الأحزاب التي تحولت من مؤسسات سياسية تستهدف مصلحة الوطن والمواطن، إلى مجرد واجهات للحصول على وجاهة إجتماعية أو حتى مصالح مالية وسط حالة من الفساد العام الذي يضرب بعمق في كل ركن من أركان المجتمع في مصر، أكثر من هذا فأنا لدى الشجاعة لأقول إن إبراهيم ندى، الحرفي البسيط المهتم بقضايا وطنه والذي يحاول قدر استطاعته تقديم حلول لمشاكل هذا المجتمع، هو أشرف من كل مدعي العمل السياسي ومتسلقي الأحزاب ممكن يحملون ألقابا لا يستحقونها، وهى ألقاب مصطنعة أو مزورة في معظم الأحيان .