كان جيلنا محظوظًا في أن امتد به العمر ليشهد التحول الرقمي الذي أحدث تغييرات جذرية في صناعة الإعلام، حيث انتقلت القوة من المؤسسات الإعلامية التقليدية إلى الأفراد والمواطنين. فمع ظهور المدونات والمواقع الإخبارية الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الجمهور أكثر تفاعلاً مع المحتوى الإعلامي، وأكثر قدرة على إنتاجه ونشره. وعلى الرغم من أن هذا التطور يمثل فرصة كبيرة للديمقراطية وتنوع الآراء، إلا أنه يطرح أيضًا العديد من التحديات المتعلقة بضمان جودة المحتوى ومصداقيته.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. نهاية التاريخ للمؤسسات الصحفية وصعود المواطن الصحفي
فقد شهدت صناعة الإعلام تحولاً جذرياً بفعل التطورات التكنولوجية المتسارعة. فمع ظهور وسائل إعلان رقمية تتميز بالمرونة والسرعة في النشر واستهداف جمهور محدد، تراجعت شعبية الصحف المطبوعة بشكل ملحوظ. فقد حلت الإعلانات الرقمية محل الإعلانات التقليدية في الصحف والمجلات، حيث أصبحت الخيار المفضل للشركات والمعلنين بفضل قدرتها على الوصول إلى جمهور أوسع وتقديم نتائج قياسية. هذا التحول أثر بشكل كبير على مبيعات الصحف وتسبب في خسائر فادحة للعديد من المؤسسات الإعلامية. وفي نفس الوقت مع تزايد الوعي بأهمية التسويق الرقمي وظهور أدوات جديدة لقياس فعالية الإعلانات، تحولت أنظار المعلنين نحو المنصات الرقمية. فالإعلانات الرقمية تتيح للمعلنين استهداف جمهور محدد بدقة، وتتبع أداء حملاتهم التسويقية بشكل مستمر، مما يجعلها أكثر فعالية من الإعلانات التقليدية. نتيجة لذلك، شهدت الصحف المطبوعة تراجعاً حاداً في إيراداتها الإعلانية، مما أثر سلباً على قدرتها على الاستمرار. و أدى تراجع إيرادات الإعلانات في الصحف المطبوعة إلى أزمة مالية خانقة. فمع تفضيل المعلنين للإعلانات الرقمية، اضطرت الصحف إلى تقليص نفقاتها بشكل كبير. وقد تجلى ذلك في تقليص أقسامها الصحفية، وتسريح موظفيها، مما أدى إلى تدهور جودة المحتوى الصحفي. هذه التطورات ساهمت في انخفاض مبيعات الصحف بشكل أكبر، مما دفع العديد منها إلى الإغلاق أو التحول إلى النسخة الرقمية. وتسبب تراجع الدعم المالي لدور النشر في تدهور جودة المحتوى الصحفي. فمع تقليص الميزانيات وتسريح الصحفيين ذوي الخبرة، تضاءلت قدرة الصحف على إنتاج محتوى صحفي عالي الجودة. وقد أدى ذلك إلى تراجع ثقة القراء بالصحف المطبوعة، وانخفاض مبيعاتها. في مواجهة هذه التحديات، اضطرت العديد من دور النشر إلى اتخاذ قرارات صعبة، مثل تقليص عدد الصفحات أو الإغلاق التام.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. نهاية التاريخ للمؤسسات الصحفية وصعود المواطن الصحفي
مع تطور التكنولوجيا وسهولة الوصول إلى أدوات الإنتاج، أصبح بإمكان أي شخص أن ينتج محتوى صحفيًا وينشره عبر الإنترنت. فقد تحول المواطن العادي إلى صحفي، ينافس المؤسسات الإعلامية التقليدية في تغطية الأحداث وتقديم التحليلات. هذا التحول الجذري أثر بشكل كبير على طبيعة العمل الصحفي ودوره في المجتمع. وعلى الرغم من ارتباط ظاهرة المواطن الصحفي بشكل وثيق بالتطور التكنولوجي الحديث، إلا أن جذورها تمتد إلى بداية القرن العشرين. فقبل ظهور الهواتف الذكية والإنترنت، كانت هناك محاولات لتطوير وسائل إعلام تعاونية تعتمد على مشاركة المواطنين في عملية إنتاج المحتوى الصحفي. وقد ظهرت مصطلحات مثل 'الصحافة التشاركية' و'صحافة الشوارع' لوصف هذه الممارسات التي كانت تسعى إلى تمكين المواطنين من المشاركة الفعالة في الحياة العامة. وعلى ذلك يعود مفهوم المواطن الصحفي إلى بدايات القرن العشرين، حيث ظهرت تجارب مبكرة لإنشاء وسائل إعلام تعاونية تعتمد على مشاركة الجمهور. وقد تطورت هذه المفهوم على مر السنين، حيث شهدنا ظهور الصحافة التشاركية والصحافة الديمقراطية، والتي كانت تهدف إلى تمكين المواطنين من لعب دور أكثر نشاطًا في عملية جمع الأخبار ونشرها. ومع تطور التكنولوجيا، اكتسب مفهوم المواطن الصحفي زخمًا جديدًا، حيث أصبح من السهل على أي شخص أن ينتج محتوى صحفيًا وينشره عبر الإنترنت.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. نهاية التاريخ للمؤسسات الصحفية وصعود المواطن الصحفي
يمكن تعريف دور المواطن الصحفي بأنه شكل بديل من أشكال الممارسة الصحفية، حيث يقوم الأفراد بجمع ونشر الأخبار بشكل مستقل خارج إطار المؤسسات الإعلامية التقليدية. يعتمد المواطن الصحفي في عمله على مصادر متنوعة للمعلومات، بما في ذلك مصادر غير رسمية، مما يوفر وجهات نظر مختلفة عن تلك التي تقدمها المؤسسات الإعلامية التقليدية التي غالبًا ما تعتمد على المصادر الرسمية. و يمارس المواطن الصحفي نشاطه الصحفي بشكل مستقل، خارج إطار المؤسسات الإعلامية التقليدية. ويتسم عمله بالمرونة والتنوع، حيث يمكنه تغطية قضايا لا تحظى باهتمام كافٍ من قبل المؤسسات الإعلامية الرئيسية. كما أنه يعتمد على مصادر متنوعة للمعلومات، بما في ذلك الشهادات الشخصية والوسائل الاجتماعية، مما يوفر وجهات نظر مختلفة عن تلك التي تقدمها الصحافة التقليدية. وفي الوقت نفسه، عانت الصحف المطبوعة من أزمة حقيقية تتمثل في تراجع حاد في مبيعاتها وإعلاناتها. يعود ذلك بشكل رئيسي إلى ظهور منافسين أقوياء في شكل الإعلانات الرقمية التي تتميز بالسرعة في النشر والمرونة في تغيير الرسائل واستهداف جمهور محدد بدقة. هذه الميزات جعلت الإعلانات الرقمية الخيار المفضل للكثير من المعلنين، مما أدى إلى سحب جزء كبير من الإيرادات التي كانت تعتمد عليها الصحف الورقية.
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. نهاية التاريخ للمؤسسات الصحفية وصعود المواطن الصحفي
وللحقيقة فإن الصحافة في الغرب قد انتبهت مبكرا لما ينتظر الإصدارات الورقية منها، فطورت هذه الصحف وسائطها الرقمية بشكل مذهل، بل وحتى مع الانفجار الكبير في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد نجحت الصحف الغربية في أن تستفيد من صفحات الفيس بوك وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعي في أن تتحول هذه الوسائط لمصدر للدخل للصحف كما استفادت من قبل ذلك بالربح من إعلانات الانترتت، ولقد جعل هذا الدخل الصحف الغربية قادرة على الاستمرار، وبعضها لم يوقف الإصدارات الورقية الأصلية، بل وظلت ارقام التوزيع للإصدارات الورقية من هذه الصحف والمجلات أرقام ذات شأن، وحتى الصحف التي تخلت عن إصدارتها الورقية فقد نجحت في أن تصنع صحافة رقمية فائقة التطور. ولحسن الحظ فقد ظهر في الصحافة العربية أشخاص نابهون نجحوا في صنع صحف رقمية متميزة، ولكن في المقابل فإن الإصدارات الورقية التقليدية قد ماتت تقريبا، ووجدنا أن اشهر مجلة سياسية في مصر والعالم العربي لا تطبع الان أكثر من مئات النسخ، أكرر مئات النسخ وليس الاف النسخ، وهذه المئات من النسخ يتم توزيعها على العاملين في مبنى المجلة الشهيرة العريق الذي كان في يوما من الأيام مقصدا لرجال الأدب والفكر والسياسة، ولا يصل منها أى نسخ حتى ولو معدودة للقارئ العادي، لأنه ببساطة انصرف على شرائها، وتكفي نظرة على ما تبقى من منافذ التوزيع للصحف والمجلات، ومعظم هذه المنافذ مفتوحة على سبيل العلاقات العامة في محطات المترو ولكن لا تبيع شيئا من الصحف التي تعرضها، ومع ذلك لن نجد من هذه المجلة أو غيرها من المجلات أى عدد ذا بال من النسخ، وفي غالب الأحيان لا تظهر هذه النسخ إطلاقا في منافذ التوزيع، وتخرج النسخ المحدودة العدد من المطبع لتوزع على العاملين في كل مؤسسة صحفية
مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. نهاية التاريخ للمؤسسات الصحفية وصعود المواطن الصحفي
وحتى الصحف اليومية العريقة فلا يمكن أبدا أن تطبع إلا كميات محدودة، وانتهى تماما العصر الذي كانت صحيفة يومية شهيرة تحرص في صدر كل عدد أسبوعي أن تعرض أرقام التوزيع للعدد الأسبوعي السابق وهو رقم يتجاوز المليون نسخة، وحتى الصحف غير القومية كانت تحقق ارقاما للتوزيع يتجاوز مئات الالاف في بعض الإصدارات ، خاصة الإصدارت التي ظهرت مع بداية ظهور المؤسسات الصحفية المستقلة، وظهرت تجارب مبدعة في فترة قصيرة، وكان يمكن لهذه التجارب أن تتخذ لنفسها نفس مسار التطور الذي لحق الصحف الغربية التي تحولت للإصدار الرقمي، واستفادت في نفس الوقت من منجزات ثورة الاتصالات وما ظهر من تطور متسارع في وسائل الاتصال الاجتماعي، وكان لكن لسوء الحظ فإن الصحف الورقية وجدت نفسها في نهاية المطاف سلعة غير مرغوب فيها، وتبور السلع عندما يحجم طلابها عن شرائها .