قراءة غير محايدة في مراجعات حمدين صباحي .. هل تستطيع الاعتذار للموتى حسرًة على ثقتهم بك !

محمد مختار
محمد مختار

فاجأنا حمدين صباحي بنشر ما وصفه بأنه اعتذار عن أخطاء ارتكبها خلال سنواته الأخيرة. استغل حمدين صباحي، كعادته، موهبته التي تتدفق في كتابة نص سوف يُدرس في قادم الأيام كنص مثالي ينتمي للأدب السياسي بامتياز، ولكن فقط أدب سياسي، فكلما زاد حمدين في اختياره الألفاظ والتشبيهات التي صاغ بها اعتذاره كصائغ يكتب بكلمات من ذهب وليس من حبر، كلما كانت كل عباراته فارغة من أي مضمون حقيقي. قدم حمدين اعتذارًا بدون مقدمات، لم يطلب منه أحد اعتذارًا ولا توقع من مثل هذا الاعتذار في هذا الوقت، ولكن ما فهمه معظم من قرأ اعتذار حمدين صباحي أنه يريد إعادة تقديم نفسه كزعيم مُلهم من جديد. ربما رأى حمدين صباحي أن هناك جيلًا صاعدًا بين الشباب لم يعِش أوقات الخذلان التي كان حمدين صباحي بطلها بامتياز ولم يكتوِ أحدهم بنار الحسرة وهو يرون السياسي الشاب الذي صدقوه يعتصم بحياته الخاصة، عندما ناور حمدين صباحي بكل انتهازية فقط من أجل نفسه. هل يعرف حمدين صباحي كم من شباب جيلنا الذين صدقوه والتمسوا فيه رمزًا يعيد لنا أحلامًا طوتها السنون، فقد إيمانه بكل أفكاره بسببه؟ هل يعرف حمدين صباحي كم من الأصدقاء من بين صفوفنا غادروا الحياة بعد أن تحولت الحسرة في حلوقهم لسُمّ قتلهم ببطء بعد أن سقطوا في بئر الاكتئاب العميق بسبب صدمتهم التي أفقدتهم حتى بوصلة المنطق في تحديد الخيط الرفيع الفاصل بين الشخصي والعام !

قراءة غير محايدة في مراجعات حمدين صباحي .. هل تستطيع الاعتذار للموتى حسرًة على ثقتهم بك !

لا أعلم لمن يعتذر حمدين صباحي بعد كل هذه السنين ؟ وهل يوجه اعتذاره للجيل الذي التف حوله وهو يرأس اتحاد الطلاب بكلية الإعلام في زمن كان الشباب هو كل رأسمال هذا الجيل، أم يعتذر للجيل الذي بعده ممكن التفوا حول حمدين صباحي في مركز صاعد للإعلام يكتبون بدماء القلوب ودموع العيون وليس بالحبر من أجل حلم كان حمدين صباحي من يعزز فيهم أحلامهم ؟ أم يعتذر حمدين صباحي لملايين البسطاء من غير المؤدلجين الذين التفوا حول شاشات التليفزيون وصفحات التواصل وهم مبهورون بالشاب الذي أعاد لهم ذكرى أيام خلت، واسترجع الجميع تاريخ هذا الشاب الأسمر القادم من ريف مصر الشاب الذي تجلت شجاعته في مواجهة الرئيس أنور السادات. انتفاضة 18 و19 يناير، التي عُرفت بانتفاضة الخبز، كانت بمثابة زلزال هز أركان النظام الحاكم، وكشفت عن مدى الغضب الشعبي المتراكم من سياسات الانفتاح الاقتصادي التي انتهجها السادات. في ذلك الوقت العصيب، لم يتردد هذا الطالب الشجاع في التعبير عن رفضه لتلك السياسات، ومطالبته بالعدالة الاجتماعية. لم يخشَ بطش النظام، ولم يرهبْ سطوة السلطة، بل وقف بكل جرأة وشجاعة ليقول للرئيس السادات: 'لا يا فندم، هذا لا يرضي أحداً'. موقفه هذا لم يكن مجرد صرخة غضب عابرة، بل كان تعبيراً عن ضمير جيل كامل من الشباب المصري الذي كان يحلم بمستقبل أفضل. كان هذا الطالب رمزاً للجيل الذي لم يستسلم لليأس، بل آمن بقدرته على تغيير الواقع. شجاعة هذا حمدين في هذا الوقت لم تقتصر على مواجهة الرئيس، بل امتدت إلى مشاركته الفعالة في انتفاضة الخبز، حيث كان في طليعة المتظاهرين المطالبين بتحسين الأوضاع المعيشية. لم يكن مجرد متفرج على الأحداث، بل كان جزءاً فاعلاً منها، وعندما طرح هذا الشباب نفسه خيارا لهم في ذورة ثورة 25 يناير ونزلوا بالملايين في طوابير لينتخبوه في زخم ثورة يناير 2011 ؟ ' واحد مننا ' كان هذا هو الشعار الذي التف حوله الملايين ممن رأوا في حمدين صباحي حصان الرهان الرابح، الذي سوف ينقذهم من الاختيار المقيت بين الدولة الدينية ودولة فلول نظام مبارك .

قراءة غير محايدة في مراجعات حمدين صباحي .. هل تستطيع الاعتذار للموتى حسرًة على ثقتهم بك !

ظني أن اعتذار حمدين صباحي جاء في وقت انصرف الجميع وهربوا إلى داخل ذواتهم، جيله وأجيال بعده وحتى الجيل الذي كنا نعتبره جيل الأساتذة، لن ينصت لك أحد يا استاذنا الكبير، لن يلتف حولك أحد كما كنا نلتف حولك نسمع منك ونصفق لك، الأكف التي كانت تتمزق وهى تصفق لما تقوله لم تعد قادرة إلا أن ترفع نفس هذه الأيادي للسماء لتدعو الله بالمغفرة لمن مات بحسرة الخيبة الثقيلة التي كان لنا منها نصيب، لم تكن أن الوحيد صاحب الفضل في أن نشعر بهذه الغيبة، ولكن كان لك دور لا يمكن أن تغفره كلمات الاعتذار .. أنا لست محايد في قراءة اعتذار حمدين صباحي، ليس لأني ضده ولكن لأني كنت من بين جيل أحبه وشاركه الحلم .. رحم الله كل الشهداء وغفر لهم، وسامح الله كل من خذل الحالمين

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً