شهدت الفترة الأخيرة زيادة شكاوى المواطنين، من أزمة جديدة داخل قطارات السكك الحديدية، تتمثل في عدم توافر مقاعد مخصصة لكبار السن والمرضى في القطارات التي تعمل على الخطوط، حتى بعض القطارات التي تشتمل على مثل هذه الكراسي لا تكون متاحة لهم على الشكل المطلوب، وفي مشهد يتكرر يوميًا، يجد كبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم في معاناة مستمرة بسبب عدم توافر المقاعد المخصصة لهم، إما بسبب عدم وجودها بالأساس أو لاستحواذ بعض الركاب الآخرين عليها دون مراعاة لمن هم أكثر احتياجًا لها، وبينما تنص اللوائح لتخصيص مقاعد لفئات معينة، فإن التطبيق العملي لهذه القواعد لا يكون دائمًا كما ينبغي، ما يجعل التنقل عبئًا يوميًا على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، لا سيما وأن القطارات تمثل شريانًا حيويًا للحياة اليومية لملايين المواطنين، فهي ليست مجرد وسيلة للانتقال، بل ضرورة ملحة تمكن الأفراد من تلبية احتياجاتهم الحياتية والمهنية.
ومع تزايد عدد المستخدمين، تصبح المشكلة أكثر تعقيدًا، خاصةً مع قلة الوعي المجتمعي بضرورة احترام المقاعد المخصصة، وعدم وجود آليات رقابية صارمة تضمن تنفيذ القوانين بشكل فعال، وفي ظل هذه التحديات، يواجه كبار السن والمرضى صعوبة مضاعفة، حيث يضطرون في كثير من الأحيان للوقوف لمسافات طويلة، ما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة، مثل الإرهاق الشديد، وفقدان التوازن، أو حتى التعرض لإصابات نتيجة التزاحم، ورغم الجهود المحدودة التي تبذلها بعض الجهات لتحسين أوضاع النقل داخل القطارات، تبقى المشكلة قائمة في ظل غياب حلول جذرية تضمن حق الفئات المستضعفة في رحلة مريحة وآمنة، فهل يمكن أن نشهد قريبًا خططًا أكثر صرامة لتنظيم هذه المسألة؟ أم سيبقى الحال كما هو عليه، وتظل معاناة كبار السن والمرضى مستمرة داخل القطارات؟
تواصلت "أهل مصر" مع عدد من المواطنين حول هذه المشكلة، حيث أعرب الكثيرون عن استيائهم من استمرار هذه الظاهرة وعدم وجود حلول عملية لحماية حقوق كبار السن والمرضى، مما يطرح تساؤلات حول دور الجهات المسؤولة في إيجاد حلول فعالة تضمن راحة وأمان جميع الركاب.
يقول (حسن - ع) متقاعد في العقد السبعين من عمره، ويستخدم القطارات بشكل مستمر للذهاب إلى إحدى المستشفيات بمدن الوجه البحري: "الموضوع بقى صعب جدًا، أوقات كتير بكون تعبان ومش قادر أقف، لكن للأسف بلاقي الشباب قاعدين على الكراسي المخصصة لينا ومش بيقوموا، حتى لو شافوني تعبان، محدش بقى بيحترم الكبير ولا بيعطف على المريض، لا في نظام ولا حد بيراقب، فيه أماكن مكتوب عليها إنها مخصصة لكبار السن، لكن مين إللي بيتابع؟ الناس قاعدة عليها عادي، ولو طلبنا منهم يسيبوها ممكن نسمع كلام مش كويس".
ويضيف (محمد - ج) في العقد الرابع من عمره ويستقل القطارات شبه أسبوعيًا للتنقل عبر محافظات الوجه القبلي" أنا مش ضد وجود مقاعد مخصصة لكبار السن والمرضى، بالعكس لازم يتوفر ليهم راحة، لكن المشكلة إن مفيش رقابة، الناس بقت بتتصرف على مزاجها، ولو حد طلب حقه، ممكن يتعرض لسوء معاملة، الحل لازم يكون في تطبيق صارم للقوانين وتوعية حقيقية، والمشكلة ليست فقط في قلة الوعي، بل أيضًا في قلة عدد المقاعد المخصصة، خاصة إن المواصلات بقت زحمة فوق الوصف، وفيه عربيات حتى لو فيها أماكن لكبار السن، بتكون قليلة جدًا، وبالتالي حتى اللي عاوز يلتزم مش هيلاقي مكان فاضي يسيبه ليهم".
وشددت الدكتورة "آيات حسين" عضو لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، على ضرورة توفير حلول عملية لضمان راحة المرضى وكبار السن أثناء استخدام وسائل النقل العام، وأوضحت أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال إعادة توزيع المقاعد داخل عربات القطارات، مع تخصيص مساحات مناسبة للركاب الذين يقفون، واستخدام مواد حديثة توفر مزيدًا من الراحة، كما دعت إلى تخصيص عربات ذات طابع خاص للرحلات الطويلة والقصيرة، بحيث تلبي الاحتياجات المتنوعة للركاب، فضلًا عن تخصيص عربات للأسر وكبار السن لضمان تجربة سفر أكثر راحة لهذه الفئات.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر" أن هذا المقترح يشكل نقلة نوعية في منظومة السكك الحديدية، إذ يعكس توجه الدولة نحو تبني حلول مبتكرة ومستدامة تسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، و أن تطوير النقل العام بهذه الطريقة من شأنه أن يعزز ثقة المواطنين في وسائل النقل الجماعي، مما يساهم في تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة والحد من التكدس المروري، بما يتماشى مع الرؤية القائمة على تطوير البنية التحتية، وتعزيز التنمية المستدامة.
وفيما يخص هذه الأزمة أصدرت وزارة النقل بيانًا رسميًا مؤخرًا، أكدت فيه التزامها بتقديم الدعم الكامل لذوي الهمم وكبار السن في قطاع السكك الحديدية، عبر توفير مجموعة من الخدمات والتسهيلات المجانية لضمان راحتهم وسلامتهم، وأوضحت الوزارة أنه تم تخصيص مسارات مخصصة وعربات جولف وكراسي متحركة لنقل ذوي الهمم وكبار السن داخل المحطات، بالإضافة إلى توفير بوابات إلكترونية خاصة ورامبات لتسهيل الصعود والنزول من وإلى القطارات. كما تم تجهيز دورات المياه بقطارات "تالجو" بما يتناسب مع احتياجات ذوي الهمم، مع تنفيذ كود الإتاحة في العديد من المحطات، خاصة تلك المدرجة ضمن مبادرة "حياة كريمة".
وفيما يتعلق بالتخفيضات، أشارت الوزارة إلى تقديم خصومات على تذاكر وسائل النقل المختلفة لذوي الهمم، حيث يتم حجز تذاكر السكك الحديدية بموجب بطاقة الخدمات المتكاملة الصادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي، كما يتم إصدار اشتراكات مخفضة لمترو الأنفاق وفقًا لعدد المناطق، إضافة إلى تذاكر خاصة لذوي الإعاقة، وأكدت الوزارة على تخصيص أربعة مقاعد لذوي الهمم في جميع القطارات، مع توفير تخفيضات على تذاكر قطارات النوم والمكيفة والتهوية الديناميكية و"تحيا مصر"، بالإضافة إلى إمكانية إصدار اشتراكات بنفس نسب التخفيض، أما في مجال النقل البري، فقد تم تخصيص أماكن خاصة لذوي الهمم في أتوبيسات شركة "أكتا" التابعة للوزارة، والتي تعمل بالعاصمة الإدارية الجديدة، مع توفير رامبات للصعود والنزول لضمان سهولة التنقل.