لماذا يسعى الكثير من كبار رجال الأعمال إلى الحصول على الحصانة البرلمانية؟ وما هي الفوائد التي ستعود عليهم من عضوية البرلمان؟ وهل لائحة المجلس - سواءً النواب أو الشيوخ - تحول دون استغلالهم للحصانة في إبرام صفقات خاصة مُعافة من الضرائب والرقابة القانوينة؟ وهل هؤلاء يسعون إلى كرسي البرلمان كنوعٍ من الوجاهة الاجتماعية أم أن هناك أغراض أخرى؟ أسئلة كثيرة باتت تطرح نفسها عقب نجاح العديد من رجال الأعمال في نيل عضوية البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ.
مجلس النواب المصري
ظاهرة نجاح عدد كبير من رجال الأعمال في الحصول على عضوية البرلمان، جاءت عقب تغليب الأحزاب والقوى السياسية للمال السياسى دون البحث عن آلية تمويل الأنشطة السياسية، وطبيعة المنافسة، ونوعيات المتنافسين، وعدالة توزيع الفرص وتكافؤها بما لا يضر بالشباب والنساء والفئات البسيطة، خاصة وأن اختيار رجال الأعمال كان من قبلِ القائمين على القائمة الوطنية من أجل مصر وحزب مستقبل وطن.
أحمد أبو هشيمة
أبو هشيمة.. الأشهر في مجلس الشيوخ
استحوذ رجال الأعمال على العدد الأكبر من مقاعد مجلس الشيوخ الذي يضم تحت قبته 300 عضوًا، 200 عضو منهم انتخبوا عن طريق الاقتراع العام السرى المباشر، وعين رئيس الجمهورية الـ 100 عضو الباقيين، ويُعد رجل الأعمال أحمد حمدي أبو هشيمة، الذي يرأس مجلس إدارة مجموعة حديد المصريين وهي المجموعة القابضة والمكونة من ثلاث شركات كبرى: شركة بورسعيد الوطنية للصلب، وشركة أي أي سي لإدارة مصانع الصلب، وشركة حديد المصريين لتجارة مواد البناء، هو أشهر رجال الأعمال الذين نجحوا في نيل عضوية هذا المجلس.
أبو هشيمة، تصدر المشهد السياسي خلال الشهور الأخيرة، خاصة وأنه كان من أكبر الداعمين لحزب «مستقبل وطن» ثم توقف فجأة عن هذا الدعم ليتولى منصب نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى، ويترشح لعضوية مجلس الشيوخ على القائمة الوطنية من أجل مصر عن قطاع الصعيد، واستطاع بالفعل الحصول على عضوية المجلس.
أبو هشيمة، الذي يراه الكثير من الخبراء والمحللين النسخة الجديدة من رجل الأعمال أحمد عز، أحد أبرز كوادر الحزب الوطني المنحل، اعتبر في تصريحات صحفية سابقة أن السبب الذي دفعه للترشح لنيل عضوية مجلس الشيوخ هو أن هذا المجلس «بيت خبرة كبير، وعقل مفكر لمصر والمصريين».
العدد الورقي من جريدة أهل مصر
إعفاء النواب من الضرائب
فور اكتمال النصاب القانوني لمجلس الشيوخ وإنعقاد أولى جلساته تم إقرار مشروع قانون اللائحة الداخلية للمجلس، وكانت المفاجأة أن هذه اللائحة تضمنت إعفاء النواب من الضرائب على قيمة المكافأت والرواتب والانتقالات وتأمين العلاج والسفر مع وفود المجلس وتخصيص شارات خاصة بالمجلس، إضافة إلى عدد من النصوص المنظمة لحقوق النواب والامتيازات التي يحصلون عليها بموجب عضويتهم.
هذه الامتيازات فتحت الباب لطرح العديد من التساؤلات حول وسيلة مراقبة رجال الأعمال أعضاء مجلس الشيوخ، وضمانة عدم استغلالهم الحصانة لتحقيق مكاسب خاصة وخدمة أعمالهم، وعدم تكرار سيناريو «نواب القروض» و«بيزنس العلاج على نفقة الدولة» واستغلال الحصانة في إبرام الصفقات وتهريب الآثار.. إلخ هذه الأعمال المنافية للقانون التي كانت تحدث في غرفتي البرلمان قبل العام 2010.
المستشار محمود عتمان، الأمين العام لمجلس الشيوخ، دافع من جانبه عن إعفاء أعضاء مجلس الشيوخ من الضرائب؛ قائلًا: «أن هذا النص موجود في لائحة مجلس النواب منذ عام 2016، حيث نص القانون على أن مكافأة عضو البرلمان أو مجلس الشيوخ 5 آلاف جنيه في الشهر، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه من موازنة المجلس عن 20 ألف جنيه شهريًا، بعكس أي موظف عام، والذي يكون الحد الأقصى فيه أعلى بكثير، وبالتالي كان من المنطقي إعفاء المبالغ التي يتقاضاها من الضريبة، كما سيعرض هذا النص على مجلس النواب».
محمد أبو العينين
أبو العينين.. الأشهر في مجلس النواب
وعلى غرار ما حدث في مجلس الشيوخ، استحوذ رجال الأعمال على أكثرية مقاعد مجلس النواب المكون من 568 مقعدًا بينهم 284 فردي، و284 لنظام القوائم الغلقة، ويُعد رجل الأعمال محمد أبو العينين، رئيس مجلس إدارة شركة كليوباترا جروب، هو أشهر رجال الأعمال الذين نجحوا في نيل عضوية هذا المجلس.
أبو العينين، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس حزب «مستقبل وطن»، فاجأ الجميع بتقديم استقالته من الحزب والترشح على مقاعد المستقلين بدائرة الدقى والعجوزة والجيزة في انتخابات مجلس النواب، واستطاع بالفعل الحصول على المركز الأول والنجاح باكتساح ساحق بعد أن حصل على ما يقرب من 126 ألف صوتًا.
إضافة إلى رجلي الأعمال أحمد أبو هشيمة ومحمد أبو العينين؛ فإن مجلسي النواب والشيوخ ضما في عضويتهما شخصيات ذات ثقل عقاري واقتصادي كبير، ومن هؤلاء المهندس طارق شكري، رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة التطوير العقاري، ورئيس مجموعة عربية القابضة للتطوير العقاري، والذي حصل على عضوية مجلس النواب، والمهندس أحمد صبور، الرئيس التنفيذى لشركة الأهلي، والذي حصل على عضوية مجلس الشيوخ، وهاني العسال، مؤسس مجموعة مصر إيطاليا العقارية وعضو مجلس الإدارة، والذي حصل على عضوية مجلس الشيوخ.
الحصانة.. ولوبي رجال الأعمال
ووفقًا لرؤية الكثير من رجال الأعمال العاملين بالمجال السياسي؛ فإن تمثيل قطاع الأعمال فى البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ له أهمية كبرى لتطوير السياسات العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية والمعاونة فى إنجاز العملية التشريعية وسن القوانين بطريقة أفضل تضمن حسن الدراسة والمناقشة، خاصة أن رجال الأعمال لديهم خبرات تنفيذية كبيرة يمكن الاستفادة منه، وهذه الرؤية اعتبرها البعض بمثابة تشكيل «لوبي رجال الأعمال» تحت قبة مجلسي الشيوخ والنواب خاصة وأن التاريخ البرلماني للشخصيات الاقتصادية ملئ بفصولٍ من استغلال الحصانة والاستفادة من عضوية المجلس في أعمال خاصة ليس لها علاقة بخدمة المواطن البسيط.
وتأتي عبارة «المجلس سيد قراره» التي تحول بين رفع الحصانة عن أي عضو من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، لتشكل حصانة نيابية وقانونية ومجتمعية تمنع محاسبة النائب في أي مخالفات أو بلاغات مقدمة ضده، وهذه الحصانة تنفي ما يردده رجال الأعمال من أن وجودهم في المجلس له أهمية كبرى وغرضه الوحيد تطوير السياسات العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية والمعاونة فى إنجاز العملية التشريعية وسن القوانين بطريقة أفضل تضمن حسن الدراسة والمناقشة.
الحصانة التي يتمتع بها أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من المفترض أن تكون أداة يواجه بها النائب السلطة التنفيذية بهدف مراقبتها ومحاسبتها إذا لزم الأمر، وأن تقتصر فقط على ممارسته مهام العمل النيابي دون أن تمتد لخدمة مجالات عمله الخاص، لكن لائحتي المجلسين والنظام السياسي المُقر في مصر يتيح للنواب ممارسة أدوار متعددة دون الأخذ في الاعتبار بتضارب المصالح؛ فعلى سبيل المثال النائب المنوط به مراقبة أعمال وزير الصناعة ومن ثّمَ محاسبته وتقديم طلبات إحاطة واستجواب له هو نفسه صاحب مصانع يفترض أنها تخضع لرقابة نفس الوزير، وهذا ما يجعل الحصانة أداة ليست رقابية ولكنها خدمية لصالح النواب وهو الأمر الذي يثير قلق البعض من احتمالات إساءة استغلالها لمنح النواب حماية في ممارسة أعمال أخرى فى مجال البيزنس أو النشاط المهنى وغيرها.
إقرار الذمة المالية
في نهاية ديسمبر الماضي، أعدت الأمانة العامة بمجلس النواب، والتي يرأسها المستشار محمود فوزي، 568 استمارة إقرار ذمة مالية للنواب الجدد المنتخبين على المقاعد الفردية والقوائم، وذلك لملئها وتسليمها إلى المجلس، ويتضمن الإقرار البيانات الخاصة بكل نائب، وتشمل اسمه واسم الوالد والجد والوظيفة التي يشغلها وقت تحرير إقرار الذمة المالية وعنوان محل السكن، وكذلك تاريخ تحرير الإقرار.
ويرفق بهذا الإقرار إعمالًا لنص القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع، عدد من الأوراق الضريبية المطلوبة، من بينها الملف الضريبي ومأمورية الضرائب التابع لها وصافي الإيراد السنوي، ويُمهل المجلس النواب الجدد مدة زمنية لا تزيد على 30 يومًا لتلقي الإقرارات منهم.
ونصت المواد 109 من الدستور، و371 من لائحة البرلمان، على أنه يتعين على العضو تقديم إقرار ذمة مالية، عند شغل العضوية، وعند تركها، وفى نهاية كل عام، أي فى بداية كل دور انعقاد، وهذه المواد تطرح سؤال هام: هل يمثل إقرار الذمة المالية الذي يقدمه النواب عند شغل العضوية ضمانة لعدم استغلال الحصانة؟
ووفقًا لقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975، هناك فئات معنية بتقديم إقرارات الذمة المالية، وتشمل رئيس وأعضاء مجلس النواب، ورئيس وأعضاء مجلس الشيوخ، ورؤساء وأعضاء المجالس الشعبية المحلية، وغيرهم ممن لهم صفة نيابية عامة، سواء كانوا منتخبين أو معينين، فضلًا عن العمد والمشايخ.
الدكتور جمال جبريل - أستاذ القانون الدستوري
أستاذ قانون دستوري: الالتفاف على النصوص هو الأزمة
قال الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستوري: إن هناك نص دستوري يمنع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من استغلال الحصانة في خدمة مصالحهم الشخصية، وأن هذا النص يمنع العضو من التعاقد بنفسه أو بواسطة غيره أو أن يقوم بالبيع أو يقدم خدمات وغيرها مع أي جهة حكومية، مشيرًا إلى أن هذا النص الدستوري موجود أيضًا في لائحتي المجلسين.
وحول هل تجربتنا البرلمانية التي نجح خلالها رجال الأعمال في الحصول على عضوية البرلمان تُطبق فيها هذه المادة الدستورية؟ أوضح أستاذ القانون الدستوري، أن هذه المادة الدستورية تطبق بالفعل؛ لكن الأزمة في مسألة الالتفاف حولها، وهذا ليس لها علاقة بالنصوص بل يرتبط بالتطبيق الفعلي على أرض الواقع.
وأكد جبريل، أنه في حالة قيام أحد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالتعاقد مباشرة بنفسه أو بواسطة غيره أو أن يقوم بالبيع أو يقدم خدمات وغيرها مع أي جهة حكومية، فإن العقد المبرم في هذه الحالة سيصبح باطلًا، موضحًا أن عملية الالتفاف على النص الدستوري تعود إلى الأخلاقيات في المقام الأول، وهذه من المستحيل أن تُضبط بنص دستوري أو لائحة.
وحول هل إقرار الذمة المالية الذي يقدمه النواب يُعد ضمانة لعدم استغلالهم الحصانة في القيام بأعمال خاصة بعيدًا عن الدور الرقابي؟ أشار أستاذ القانون الدستوري، إلى أن هذا القرار بمثابة الضمانة اللازمة، ولكنه في الوقت ذاته ليس كافيًا؛ لأن النائب يكتب ما يملكه حين دخوله المجلس وما الذي زاد عليه ومن أين أتى؟ لكن من يفعل شيء مخالف يكون حريصًا على ألا يضع نفسه تحت طائلة القانون، والمسألة تحتاج إلى تفعيل أدوات الرقابة الشعبية - وليست الحكومية - والمتمثلة في أدوات الرأي العام الرقابية، إذافة إلى قيام الصحافة والإعلام بدورهما في كشف المخالفات للنصوص الدستورية والقانوينة، مؤكدًا أنه في الدول الديمقراطية الكبيرة نجد الرأي العام أقوى من أي نصوص.
وأوضح جبريل، أن كون النائب رجل أعمال أم لا؛ فهذه المسألة ليست هي الفيصل، إنما الفيصل هو مجمل الحياة السياسية؛ قائلًا: «إذا كانت الحياة السياسية منضبطة وتسير وفقًا لقواعد الديمقراطية وتطبيق الدستور فهي في هذه الحالة تُطهر نفسها وتضع من يعملون بها على الطريق السليم وفق آليات مُطبقة في كل دول العالم الديمقراطية، لأنه لا يوجد شعب كله من الملائكة لكن الآليات ومسار الحياة السياسية هو من يضبط هذه المسألة، والنصوص كلها متشابهة وضبطها وتطبيقها على أرض الواقع يتعلق بمسار الحياة السياسية وآلياتها والنظام الديمقراطي المطبق».
نقلًا عن العدد الورقي..